في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

59

ويرد السياق على قولتهم : ( لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون ) . . وهي التي قالوها مهددين متوعدين للمؤمنين بالخسارة ! فيقرر - في تهكم واضح - أن الخسران لم يكن من نصيب الذين اتبعوا شعيباً ، إنما كان من نصيب قوم آخرين :

( الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها . الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين )

ففي ومضة ها نحن أولاء نراهم في دارهم جاثمين . لا حياة ولا حراك . كأن لم يعمروا هذه الدار ، وكأن لم يكن لهم فيها آثار !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ كَذّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الّذِينَ كَذّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : فأهلك الذين كذّبوا شعيبا فلم يؤمنوا به ، فأبادهم ، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاء كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يقول : كأن لم ينزلوا قطّ ، ولم يعيشوا بها حين هلكوا ، يقال : غَنِيَ فلان بمكان كذا فهو يَغْنَى به غِنًى وغُنِيّا : إذا نزل به وكان به ، كما قال الشاعر :

وَلَقَدْ يَغْنَى بِهِ جِيرانُكِ ال ***مُمِسْكُو مِنْكِ بعَهْدٍ وَوِصَالِ

وقال رُؤْبة :

***وَعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بِضَلْفَعا ***

إنما هو مَفْعَل من غَنِي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها : كأن لم يعيشوا ، كأن لم ينعموا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يقول : كأن لم يعيشوا فيها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها كأن لم يكونوا فيها قطّ .

وقوله : الّذِينَ كَذّبُوا شُعَيْبا كانُوا هُمُ الخاسِرِينَ يقول تعالى ذكره : لم يكن الذين اتبعوا شعيبا الخاسرين ، بل الذين كذبوه كانوا هم الخاسرين الهالكين ، لأنه أخبر عنهم جلّ ثناؤه أن الذين كذّبوا شعيبا قالوا للذين أرادوا اتباعه : «لَئِنِ اتّبَعْتُمْ شُعَيْبا إنّكُمْ إذًا لخَاسِرُونَ » فكذّبهم الله بما أحلّ بهم من عاجل نكاله ، ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما خسر تُبّاع شعيب ، بل كان الذين كذّبوا شعيبا لما جاءت عقوبة الله هم الخاسرين دون الذين صدّقوا وآمنوا به .