ومن ثم يأخذ في عرض ما ينتظر الإنسان بعد الابتلاء ، واختياره طريق الشكر أو طريق الكفران .
فأما ما ينتظر الكافرين ، فيجمله إجمالا ، لأن ظل السورة هو ظل الرخاء الظاهر في الصورة والإيقاع . وظل الهتاف المغري بالنعيم المريح . فأما العذاب فيشير إليه في إجمال :
( إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا ) . .
سلاسل للأقدام ، وأغلالا للأيدي ، ونارا تتسعر يلقى فيها بالمسلسلين المغلولين !
{ سلاسلا } من قرأه بغير تنوين فهو الأصل إذ هو لا ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الآحاد ومن قرأه بالتنوين فله ثلاث توجيهات :
أحدها : أنها لغة لبعض العرب يصرفون كل ما لا ينصرف إلا أفعل .
والآخر : أن النون بدل من حرف الإطلاق وأجرى الوصل مجرى الوقف .
والثالث : أن يكون صاحب هذه القراءة راوية للشعر قد عود لسانه صرف ما لا ينصرف فجرى على ذلك .
ولما قسمهم إلى القسمين{[70566]} ، ذكر{[70567]} جزاء كل قسم فقال مستأنفاً جواب من يسأل عن ذلك مبشراً للشاكر الذي استعد بعروجه في مراقي العبادات إلى ملكوت العلويات لروح وريحان وجنة نعيم ، ومنذراً للكافر الذي استعد بالهبوط في دركات المخالفات إلى التقيد بالسفليات لنزل من حميم وتصلية جحيم ، مقدماً للعاصي لأن طريق النشر المشوش أفصح ، وليعادل البداءة بالشاكر في أصل التقسيم ليتعادل الخوف والرجاء ، وليكون الشاكر أولاً وآخراً ، ولأن الانقياد بالوعيد أتم لأنه أدل على القدرة لا سيما في حق أهل الجاهلية الذين بعدت عنهم معرفة التكاليف الشرعية ، وأكثر في القرآن العظيم من الدعاء بالترغيب والترهيب لأنه الذي يفهمه الجهال الذين هم أغلب الناس دون الحجج والبراهين ، فإنها لا يفهمها إلا الخواص ، وأكد لأجل تكذيب الكفار{[70568]} : { إنا } أي على ما لنا من العظمة { أعتدنا } أي هيأنا وأحضرنا بشدة وغلظة { للكافرين } أي العريقين في الكفر خاصة ، وقدم الأسهل في العذاب فالأسهل ترقياً فقال : { سلاسلاً }{[70569]} يقادون ويرتقون{[70570]} بها ، وقراءة من نوّن مشيرة إلى أنها عظيمة جداً ، وكذا وقف أبي عمرو عليه بالألف مع المنع من الصرف { وأغلالاً } أي جوامع تجمع أيديهم إلى أعناقهم فيها فيهانون{[70571]} بها { وسعيراً * } أي ناراً حامية{[70572]} جداً شديدة الاتقاد .
قوله تعالى : { إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا } .
ذلك إخبار من الله عما توعّد به المشركين الظالمين من سوء العذاب والنكال ، وما وعد به المؤمنين الأبرار من كريم الجزاء في الجنة فقال سبحانه : { إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا } أرصد الله للجاحدين المكذبين { سلاسلا } يعني قيودا يوثقون بها في جهنم { وأغلالا } جمع غل وهو ما تغلّ به أيديهم إلى أعناقهم { وسعيرا } أي نارا متأججة متسعّرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.