في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

36

وفي هذا الموقف الذي يتفرد فيه الله سبحانه بالملك والقهر يعرض كيف هم ينفرون من كلمة التوحيد ويهشون لكلمة الشرك ، الذي ينكره كل ما حولهم في الوجود :

( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) .

والآية تصف واقعة حال على عهد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] حين كان المشركون يهشون ويبشون إذا ذكرت آلهتهم ؛ وينقبضون وينفرون إذا ذكرت كلمة التوحيد . ولكنها تصف حالة نفسية تتكرر في شتى البيئات والأزمان . فمن الناس من تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم كلما دعوا إلى الله وحده إلهاً ، وإلى شريعة الله وحدها قانوناً ، وإلى منهج الله وحده نظاماً . حتى إذا ذكرت المناهج الأرضية والنظم الأرضية والشرائع الأرضية هشوا وبشوا ورحبوا بالحديث ، وفتحوا صدورهم للأخذ والرد . هؤلاء هم بعينهم الذين يصور الله نموذجاً منهم في هذه الآية ، وهم بذاتهم في كل زمان ومكان . هم الممسوخو الفطرة ، المنحرفو الطبيعة ، الضالون المضلون ، مهما تنوعت البيئات والأزمنة ، ومهما تنوعت الأجناس والأقوام .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

{ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } كان المشركون إذا سمعوا قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له نفروا من ذلك وإذا ذكر الأوثان فرحوا و{ اشمأزت } نفرت

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

قوله تعالى : " وإذا ذكر الله وحده " نصب على المصدر عند الخليل وسيبويه ، وعلى الحال عند يونس . " اشمأزت " قال المبرد : انقبضت . وهو قول ابن عباس ومجاهد . وقال قتادة : نفرت واستكبرت وكفرت وتعصت . وقال المؤرج : أنكرت . وأصل الاشمئزاز النفور والازورار . قال عمرو بن كلثوم :

إذا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ *** وولَّتْهُمْ عَشَوْزَنَةً زَبُونَا{[13319]}

وقال أبو زيد : اشمأز الرجل ذعر من الفزع وهو المذعور . وكان المشركون إذا قيل لهم " لا إله إلا الله " نفروا وكفروا . " وإذا ذكر الذين من دونه " يعني الأوثان حين ألقى الشيطان في أمنية النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءته سورة " النجم " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم ترتجى{[13320]} . قاله جماعة المفسرين . " إذا هم يستبشرون " أي يظهر في وجوههم البشر والسرور .


[13319]:الثقاف: ما تقوّم به الرماح. وعشوزنة صلبة شديدة. والزبون الدفوع. والبيت في وصف قناة، وقبله: فإن قناتنا يا عمرو أعيت *** على الأعداء قبلك أن تلينا.
[13320]:راجع ما قيل في هذا الكلام من منافاته للعصمة وتأويلات في قوله تعالى في سورة الحج:" وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" ج 12 ص 79 وما بعدها.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

ولما دل على أن شفعاءهم ليست بأهل للشفاعة ، وعلى أن الأمر كله مقصور عليه ، وختم بأنه لا بد من الرجوع إليه المقتضي لأن تصرف الهمم كلها نحوه ، وتوجه العزائم جميعها تلقاءه ، ولأنه لا يخشى سواه ولا يرجى غيره ، ذكر حالاً من أحوالهم فقال : { وإذا } أي الحال ما ذكرناه وإذا { ذكر } وأعاد الاسم الأعظم ولم يضمره تعظيماً لأمره زيادة في تقبيح حالهم فقال : { الله } أي الذي لا عظيم غيره ولا أمر لسواه { وحده } أي دون شفعائهم التي قد وضح أنه لا شفاعة لهم : { اشمأزّت } أي نفرت كراهية وذعراً واستكباراً مع تمعر الوجه وتقبضه قلوبهم - هكذا كان الأصل ، ولكنه قال : { قلوب الذين لا يؤمنون } أي لا يجددون إيماناً { بالآخرة } بياناً لأن الحامل لهم على ذلك إضاعة اعتقاد ما ختم به الآية من الرجوع إليه الذي أتمه وأظهره رجوع الآخرة { وإذا ذكر الذين } وبكت بهم في رضاهم بالأدنى فقال : { من دونه } أي الأوثان ، وأكد فرط جهلهم في اتباعهم الباطل وجمودهم عليه دون تلبث لنظر في دليل ، أو سماع لقال أو قيل ، بقوله : { إذا هم } أي بضمائرهم المفيضة على ظواهرهم { يستبشرون * } أي فاجؤوا طلب البشر وإيقاعه وتجديده على سبيل الثبات في ذلك كله سواء ذكر معهم الله أو لا ، فالاستبشار حينئذ إنما هو بالانداد ، والاشمئزاز والاستبشار متقابلان لأن الاشمئزاز : امتلاء القلب غماً وغيظاً فيظهر أثره ، وهو الانقباض في أديم الوجه ، والاستبشار : امتلاء القلب سروراً حتى يظهر أثره ، وهو الانبساط والتهلل في الوجه - قال الزمخشري ، والعمل في " إذا " الأولى هو العامل في الفجائية ، أي فاجؤوا الاستبشار وقت هذا الذكر ، وعبر بالفعل أولاً وبالاسمية ثانياً ، ليفيد ذمهم على مطلق الاشمئزاز ولو كان على أدنى الأحوال ، وعلى ثبات الاستبشار تقبيحاً لمطلق الكفر ، ثم الثبات عليه فتحاً لباب التوبة .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

قوله : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ } { وَحْدَهُ } ، منصوب على المصدر . وقيل : على الحال{[3983]}

والمعنى : إذا أُفرد الله وحده بالذكر وقيل : لا إله إلا الله { اشْمَأَزَّتْ } أي انقبضت أو نفرت واستنكرت قلوب المشركين المكذبين بيوم الدين . وذلك هو دأب الظالمين المشركين المكذبين بيوم الدين ؛ فإنهم لا يَبَشّون بذكر الحق والإسلام في عقيدته السليمة وتشريعه الكامل . إنهم إذا ذكر الحق أو الإسلام انقبضت قلوبهم فاغتموا واغتاظوا ونفروا نفورا وذلك لسوء طبائعهم وفساد فطرهم التي أُشربت الشرك والضلال والباطل .

قوله : { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } إذا ذكرت آلهتهم المزعومة المصطنعة على اختلاف أجناسها ومسمياتها فإنهم يبتهجون بها ويفرحون وتغشاهم غاشية من الهشاشة لفرط ابتهاجهم بتلك الآلهة المكذوبة المفتراة . إن ذلك لهو دأب المشركين الضالين في كل زمان . أولئك الذين يغتاظون بذكر الله وحده أو ذكر دينه الإسلام . لكنهم يفرحون ويَهَشّون بذكر ما ابتدعوه من آلهة مكذوبة أقزام يقدسونها تقديسا ويعبدونها وتعلو وجوههم بذكرها غمرة من البشاشة والسرور . أولئك هم الجاحدون الضالون السفهاء في كل زمان ؛ الذين ينفرون جامحين من الحق ويستبشرون فرحين بالباطل{[3984]} .


[3983]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 324
[3984]:تفسير الطبري ج 24 ص 8 والكشاف ج 3 ص 401