في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوٓاْ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ يَمۡكُرُونَ} (102)

انتهت قصة يوسف لتبدأ التعقيبات عليها . تلك التعقيبات التي أشرنا إليها في مقدمة الحديث عن السورة . وتبدأ معها اللفتات المتنوعة واللمسات المتعددة ، والجولات الموحية في صفحة الكون وفي أغوار النفس وفي آثار الغابرين ، وفي الغيب المجهول وراء الحاضر المعلوم . فنأخذ في استعراضها حسب ترتيبها في السياق . وهو ترتيب ذوهدف معلوم .

تلك القصة لم تكن متداولة بين القوم الذين نشأ فيهم محمد [ ص ] ثم بعث إليهم . وفيها أسرار لم يعلمها إلا الذين لامسوها من أشخاص القصة ، وقد غبرت بهم القرون . وقد سبق في مطلع السورة قول الله تعالى لنبيه :

( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ، وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) .

فها هو ذا يعقب على القصة بعد تمامها ، ويعطف ختامها على مطلعها :

ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ، وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون . .

ذلك القصص الذي مضى في السياق من الغيب الذى لا تعلمه ؛ ولكننا نوحيه إليك وآية وحيه أنه كان غيبا بالقياس إليك . وما كنت معهم إذ اجتمعوا واتفق رأيهم ، وهم يمكرون ذلك المكر الذي تحدثت عنه القصة في مواضعه . وهم يمكرون بيوسف ، وهم يمكرون بأبيهم ، وهم يدبرون أمرهم بعد أخذ أخيه وقد خلصوا نجيا وهو من المكر بمعنى التدبير . وكذلك ما كان هناك من مكر بيوسف من ناحية النسوة ومن ناحية رجال الحاشية وهم يودعونه السجن . . كل أولئك مكر ما كنت حاضره لتحكي عنه إنما هو الوحي الذي سيقت السورة لتثبته من بين ما تثبت من قضايا هذه العقيدة وهذا الدين ، وهي متناثرة في مشاهد القصة الكثيرة .