فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوٓاْ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ يَمۡكُرُونَ} (102)

{ ذلك } المذكور من أمر يوسف أي قصته وما جرى له مع إخوته وما صار إليه من الملك بعد الرق { من أنباء الغيب } أخباره { نوحيه إليك } خبر ثان قال الزجاج ، ويجوز أن يكون { ذلك } بمعنى الذي أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك والمعنى الإخبار من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن هذا الذي قصه عليه من أمر يوسف وإخوته من الأخبار التي كانت غائبة عنه فأوحاه الله إليه وأعلمه به ، ولم يكن عنده قبل الوحي شيء من ذلك .

وفيه تعريض ساطع بكفار قريش لأنهم كانوا مكذبين له صلى الله عليه وسلم بما جاء به جحودا وعنادا وحسدا مع كونهم يعلمون حقيقة الحال ، ودليل قاطع على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم لأنه كان أميا بحتا لم يقرأ الكتب ولم يلق العلماء ولم يسافر إلى غير بلده الذي نشأ فيه ، ومع ذلك أتى بهذه القصة الطويلة على أحسن تركيب وأفصح عبارة فعلم أن إتيانه بها بوحي من الله سبحانه وتعالى .

{ وما كنت لديهم } أي لدى إخوة يوسف وهو تعليل لكل من الخبرين { إذ أجمعوا أمرهم } إجماع الأمر العزم عليه أي إذا عزموا جميعا على إلقائه في الجب { وهم } أي بنو يعقوب في تلك الحالة { يمكرون } بيوسف عليه السلام في هذا الفعل الذي فعلوه به ويبغونه الغوائل أو يمكرون بيعقوب حين جاءوه بقميص ملطخا بالدم وقالوا أكله الذئب .

وإذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لديهم عند أن فعلوا ذلك انتفى علمه بذلك مشاهدة ولم يكن لهم علم بأحوال الأمم السالفة ولا خالطهم ولا خالطوه ، فانتفى علمه بذلك بطريق الرواية عن الغير فلم يبق بعلمه بذلك طريق إلا مجرد الوحي من الله سبحانه فهذا يستلزم الإيمان بما جاء به .