البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوٓاْ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ يَمۡكُرُونَ} (102)

قال ابن الأنباري : سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فنزلت مشروحة شرحاً وافياً ، وأمل أن يكون ذلك سبباً لإسلامهم ، فخالفوا تأميله ، فعزاه الله تعالى بقوله : وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين الآيات .

وقيل : في المنافقين ، وقيل : الثنوبة ، وقيل : في النصارى .

وقال ابن عباس : في تلبية المشركين .

وقيل : في أهل الكتاب آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، فجمعوا بين الإيمان والشرك .

والإشارة بذلك إلى ما قصه الله من قصة يوسف وإخوته .

وما كنت لديهم أي : عند بني يعقوب حين أجمعوا أمرهم على أن يجعلوه في الجب ، ولا حين ألقوه فيه ، ولا حين التقطته السيارة ، ولا حين بيع .

وهم يمكرون أي يبغون الغوائل ليوسف ، ويتشاورون فيما يفعلون به .

أو يمكرون بيعقوب حين أتوا بالقميص ملطخاً بالدم ، وفي هذا تصريح لقريش بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهذا النوع من علم البيان يسمى بالاحتجاج النظري ، وبعضهم يسميه المذهب الكلامي ، وهو أن يلزم الخصم ما هو لازم لهذا الاحتجاج ، وتقدم نظير ذلك في آل عمران ، وفي هود .

وهذا تهكم بقريش وبمن كذبه ، لأنه لا يخفى على أحد أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه ، ولا لقي فيها أحداً ولا سمع منه ، ولم يكن من علم قومه ، فإذا أخبر به وقصه هذا القصص الذي أعجز حملته ورواته لم تقع شبهة في أنه ليس منه ، وإنما هو من جهة القرون الخالية ونحوه { وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر } فقوله : وما كنت ، هنا تهكم بهم ، لأنه قد علم كل أحد أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما كان معهم .

وأجمعوا أمرهم أي : عزموا على إلقاء يوسف في الجب ، وهم يمكرون جملة حالية .

والمكر : أن يدبر على الإنسان تدبيراً يضره ويؤذيه والناس ،