في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضٗا يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمٗا صَٰلِحِينَ} (9)

ثُم يغلي الحقد ويدخل الشيطان ، فيختل تقديرهم للوقائع ، وتتضخم في حسهم أشياء صغيرة ، وتهون أحداث ضخام . تهون الفعلة الشنعاء المتمثلة في إزهاق روح . روح غلام بريء لا يملك دفعا عن نفسه ، وهو لهم أخ . وهم أبناء نبي - وإن لم يكونوا هم أنبياء - يهون هذا . وتضخم في أعينهم حكاية إيثار أبيهم له بالحب . حتى توازي القتل . أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله :

( اقتلوا يوسف . أو اطرحوه أرضا ) . .

وهما قريب من قريب . فطرحه في أرض نائية مقطوعة مفض في الغلب إلى الموت . . ولماذا ؟

( يخل لكم وجه أبيكم ) . .

فلا يحجبه يوسف . وهم يريدون قلبه . كأنه حين لا يراه في وجهه يصبح قلبه خاليا من حبه ، ويتوجه بهذا الحب إلى الآخرين ! والجريمة ؟ الجريمة تتوبون عنها وتصلحون ما أفسدتم بارتكابها :

( وتكونوا من بعده قوما صالحين ) ! . .

هكذا ينزغ الشيطان ، وهكذا يسول للنفوس عندما تغضب وتفقد زمامها ، وتفقد صحة تقديرها للأشياء والأحداث . وهكذا لما غلا في صدورهم الحقد برز الشيطان ليقول لهم : اقتلوا . . والتوبة بعد ذلك تصلح ما فات ! وليست التوبة هكذا . إنما تكون التوبة من الخطيئة التي يندفع إليها المرء غافلا جاهلا غير ذاكر ؛ حتى إذا تذكر ندم ، وجاشت نفسه بالتوبة . أما التوبة الجاهزة ! التوبة التي تعد سلفا قبل ارتكاب الجريمة لإزالة معالم الجريمة ، فليست بالتوبة ، إنما هي تبرير لارتكاب الجريمة يزينه الشيطان !