{ اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضاً } الآية .
في نصب " أرْضاً " ثلاثة أوجه :
أحدهاك أن تكون منصوبة على إسقاط الخافض تخفيفاً ، أي : في أرض ؛ كقوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم } [ الأعراف : 16 ] ، وقول الشاعر : [ الكامل ]
3052 لَدْنٌ بِهَزِّ الكفِّ يَعْسِلُ مَتنُهُ *** فِيهِ كَمَا عَسلَ الطَّريقَ الثَّعلبُ
قال النَّحاس : " إلا أنَّه في الآية حسن كثيراً ؛ لأنَّه يتعدى إلى مفعولين ، أحدهما بالحرف ، فإذا حذفت الحرف ، تعدَّى الفعل إليه " .
والثاني : النصب على الظرفيَّة .
قال الزمخشريُّ : " أرْضاً منكُورة مجهولة بعيدة عن العمران ، وهو معنى تنكيرها ، وأخلائها من النَّاسِ ؛ ولإبهامِها من هذا الوجه ، نُصِبت نصب الظُّروف المُبْهَمة " .
وردَّ ابن عطيَّة هذا الوجه فقال : " وذلك خطأ ؛ لأن الظَّرف ينبغي أن يكون مُبهماً ، وهذه ليست كذلك ، بل هي أرض مقيَّدة بأنَّها بعيدةٌ ، أو قاصية أو نحو ذلك ، فزال بذلك إبهامُهَا ، ومعلُوم أن يوُسف لم يَخْل من الكون في أرض ، فتبيَّن أنَّهم أرادُوا أرضاً بعيدة ، غير التي هو فيها قريبة من أبيه " .
واسَتحْسَن أبو حيَّان هذا الرَّد ، وقال : " وهذا الردُّ صحيحٌ ، لو قلت : " جَلستُ داراً بعيدة ، أوْ مكاناً بعيداً " لم يصحَّ إلا بواسطة في ولا يجوز حذفها ، إلا في ضرورة شعرٍ ، أو مع " دخلْت " على الخلاف في " دَخلت " أهي لازمة أم متعدِّية " .
وفي الكلامين نظر ؛ إذ الظَّرف المُبْهَم : عبارة عمَّا ليس له حُدُود تحصرهن ولا أقطار تحويه ، و " أرضاً " في الآية الكريمة من هذا القبيل .
الثالث : أنها مفعول ثان ، وذلك أن معنى : " اطْرحُوهُ " أنزلوه ، و " أنزلوه " يتعدى لاثنين ، قال تعالى :
{ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً } [ المؤمنين : 29 ] وتقولن : أنزلت زيداً الدَّارَ . والطَّرح : الرَّميُ ، ويعبرُ به عن الاقتحام في المخاوف ؛ قال عروة بن الوردِ : [ الطويل ]
3053 ومَنْ يَكُ مِثْلِي ذا عِيالٍ ومُقْتِراً *** مِنَ المَالِ يَطرَحْ نَفسَهُ كُلَّ مَطْرحِ
والمعنى : اطرحُوه إلى أرض تبعُد من أبيه ، وقي : في أرض تأكله السِّباعُ .
و " يَخْلُ لكُمْ " جوابٌ الأمر ، وفيه الإظهار والإدغام ، وتقدَّم تحقيقها عند قوله { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً } [ آل عمران : 85 ] .
قوله : { وَتَكُونُواْ } يجُوز أن يكُون مجزوماً نسقاً على ما قبله ، أو منصوباً بإضمار " أن " بعد الواو في جواب لأمر .
اعلم : أنَّه لما قوي الحسد ، وبلغ النِّهاية ، قالوا : لا بُدَّ من تبعيد يُوسف من أبيه ، وذلك لا يحصل إلا بأحد طريقين : القتل ، أو التَّغريب ، ثم ذكروا العلَّة فيه ، وهي قوله : { يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } أي : أنَّ يوسف شغله عنَّا ، وصرف وجهه إليه ، فإذا فقده ، أقبل علينا بالميل والمحبَّة ، { وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ } أي : من بعد قتل يوسف ، { قَوْماً صَالِحِينَ } : أي : نتُوب بعد قتلهِ .
وقيل : يصلُح شأنكم ، تتفرغوا لإصلاح شأن أمَّهاتكُم ، واختلفُوا في قائل هذا القول .
فقيل : شَاورُوا أجْنَبياً ؛ فأشار عليهم بقتله ، ولم يقُل ذلك أحدٌ من إخوته .
وقيل : القائل بعض إخوته ، واختلفوا فيه .
فقال وهب : شمعون ، وقال كعب : دان ، وقال مقاتل : رُوبيل .
فإن قيل : كيف يليق هذا بهم ، وهم أنبياء ؟
فأجاب بعضهم : بأنَّهم كانوا في هذا الوقت مراهقين لم يبلُغوا ، وهذا ضعيفٌ ؛ فإنه يبعد في مثل يعقُوب أن يبعث جماعة من الصِّبيان من غير أن يكون معهم قائمٌ عاقلٌ يمنعهم من القبائح .
وأيضا : فإنَّهم قالوا : { وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } وهذا يدلُّ على أنَّهُم قب النبوَّة لا يكونوا صالحين ، وذلك يُنَافِي كونهم من الصِّبيان ، وأيضاً : قولهم : { ياأبانا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [ يوسف : 97 ] والصغير لا ذنب له .
فأجاب بعضهم : بأنَّ هذا من باب الصَّغائر ، وهذا أيضاً ضعيفٌ ؛ لأن إيذاء الأبِ الذي هو نبيٌّ معصوم ، والكيد معهُ ، والسعي في إهلاك الأخ الصَّغير ، فكل واحدٍ من ذلك من أمَّهات الكبائر ، بل الجواب الصحيح : أنَّهم ما كانُوا أنبياء ، وإن كانوا أنبياء ، إلا أن هذه الواقعة أقدموا عليها قبل النبوة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.