مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضٗا يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمٗا صَٰلِحِينَ} (9)

قوله تعالى { اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين }

واعلم أنه لما قوي الحسد وبلغ النهاية قالوا لا بد من تبعيد يوسف عن أبيه : وذلك لا يحصل إلا بأحد طريقين : القتل أو التغريب إلى أرض يحصل اليأس من اجتماعه مع أبيه ولا وجه في الشر يبلغه الحاسد أعظم من ذلك ، ثم ذكروا العلة فيه وهي قولهم : { يخل لكم وجه أبيكم } والمعنى أن يوسف شغله عنا وصرف وجهه إليه فإذا أفقده أقبل علينا بالميل والمحبة { وتكونوا من بعده قوما صالحين } وفيه وجوه : الأول : أنهم علموا أن ذلك الذي عزموا عليه من الكبائر فقالوا : إذا فعلنا ذلك تبنا إلى الله ونصير من القوم الصالحين . والثاني : أنه ليس المقصود ههنا صلاح الدين بل المعنى يصلح شأنكم عند أبيكم ويصير أبوكم محبا لكم مشتغلا بشأنكم . الثالث : المراد أنكم بسبب هذه الوحشة صرتم مشوشين لا تتفرغون لإصلاح مهم ، فإذا زالت هذه الوحشة تفرغتم لإصلاح مهماتكم ، واختلفوا في أن هذا القائل الذي أمر بالقتل من كان ؟ على قولين : أحدهما : أن بعض إخوته قال هذا . والثاني : أنهم شاوروا أجنبيا فأشار عليهم بقتله ، ولم يقل ذلك أحد من إخوته ، فأما من قال بالأول فقد اختلفوا . فقال وهب : إنه شمعون ، وقال مقاتل : روبيل .

فإن قيل : كيف يليق هذا بهم وهم أنبياء ؟

قلنا : من الناس من أجاب عنه بأنهم كانوا في هذا الوقت مراهقين وما كانوا بالغين ، وهذا ضعيف ، لأنه يبعد من مثل نبي الله تعالى يعقوب عليه السلام أن يبعث جماعة من الصبيان من غير أن يكون معهم إنسان عاقل يمنعهم من القبائح . وأيضا أنهم قالوا : { وتكونوا من بعده قوما صالحين } وهدا يدل على أنهم قبل التوبة لا يكونون صالحين ، وذلك ينافي كونهم من الصبيان ، ومنهم من أجاب بأن هذا من باب الصغائر ، وهذا أيضا بعيد لأن إيذاء الأب الذي هو نبي معصوم ، والكذب معه والسعي في إهلاك الأخ الصغير كل واحد من ذلك من أمهات الكبائر ، بل الجواب الصحيح أن يقال : إنهم ما كانوا أنبياء ، وإن كانوا أنبياء إلا أن هذه الواقعة إنما أقدموا عليها قبل النبوة .