في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٖ وَلَا لِأٓبَآئِهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةٗ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا} (5)

ثم يأخذ في كشف المنهج الفاسد الذي يتخذونه للحكم على أكبر القضايا وأخطرها . قضية العقيدة :

( ما لهم به من علم ولا لآبائهم ) . .

فما أشنع وما أفظع أن يفضوا بهذا القول بغير علم ، هكذا جزافا :

( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) . .

وتشترك الألفاظ بنظمها في العبرة وجرسها في النطق في تفظيع هذه الكلمة التي يقولونها . فهو يبدأ بكلمة( كبرت ) لتجبه السامع بالضخامة والفظاعة وتملأ الجو بهما . ويجعل الكلمة الكبيرة تمييزا لضميرها في الجملة : ( كبرت كلمة ) زيادة في توجيه الانتباه إليها . ويجعل هذه الكلمة تخرج من أفواههم خروجا كأنما تنطلق منها جزافا وتندفع منها اندفاعا ( تخرج من أفواههم ) . وتشارك لفظة ( أفواههم ) بجرسها الخاص في تكبير هذه الكلمة وتفظيعها ، فالناطق بها يفتح فاه في مقطعها الأول بما فيه من مد : ( أفوا ) ثم تتوالى الهاءان فيمتلى ء الفم بهما قبل أن يطبق على الميم في نهاية اللفظة : ( أفواههم ) . وبذلك يشترك نظم الجملة وجرس اللفظة في تصوير المعنى ورسم الظل . ويعقب على ذلك بالتوكيد عن طريق النفي والاستثناء : ( إن يقولون إلا كذبا ) : ويختار للنفي كلمة : ( إن )لا كلمة " ما " لأن في الأولى صرامة بالسكون الواضح ، وفي لفظ " ما " شيء من الليونة بالمد . . وذلك لزيادة التشديد في الاستنكار ، ولزيادة التوكيد لكذب هذه الكلمة الكبيرة . .