في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هَلۡ تُحِسُّ مِنۡهُم مِّنۡ أَحَدٍ أَوۡ تَسۡمَعُ لَهُمۡ رِكۡزَۢا} (98)

وتختم السورة بمشهد يتأمله القلب طويلا ، ويرتعش له الوجدان طويلا ؛ ولا ينتهي الخيال من استعراضه

( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ? ) .

وهو مشهد يبدؤك بالرجة المدمرة ، ثم يغمرك بالصمت العميق . وكأنما يأخذ بك إلى وادي الردى ، ويقفك على مصارع القرون ؛ وفي ذلك الوادي الذي لا يكاد يحده البصر ، يسبح خيالك مع الشخوص التي كانت تدب وتتحرك ، والحياة التي كانت تنبض وتمرح . والأماني والمشاعر التي كانت تحيا وتتطلع . . ثم إذا الصمت يخيم ، والموت يجثم ، وإذا الجثث والأشلاء والبلى والدمار ، لا نأمة . لا حس . لا حركة . لا صوت . . ( هل تحس منهم من أحد ? )انظر وتلفت ( هل تسمع لهم ركزا )تسمع وأنصت . ألا إنه السكون العميق والصمت الرهيب . وما من أحد إلا الواحد الحي الذي لا يموت .