الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هَلۡ تُحِسُّ مِنۡهُم مِّنۡ أَحَدٍ أَوۡ تَسۡمَعُ لَهُمۡ رِكۡزَۢا} (98)

قوله تعالى : " وكم أهلكنا قبلهم من قرن " أي من أمة وجماعة من الناس يخوف أهل مكة . " هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا " في موضع نصب ، أي هل ترى منهم أحدا وتجد " أو تسمع لهم ركزا " أي صوتا ، عن ابن عباس وغيره : أي قد ماتوا وحصلوا أعمالهم . وقيل : حِسًّا . قاله ابن زيد . وقيل : الركز ما لا يفهم من صوت أو حركة . قاله اليزيدي وأبو عبيدة ، كركز الكتيبة ، وأنشد أبو عبيدة بيت لبيد :

وتَوَجَّسَتْ ركزَ الأنيس فراعها *** عن ظَهْرِ غيبٍ والأنيس سَقَامُهَا{[10986]}

وقيل : الصوت الخفي ، ومنه : رَكَزُ الرمح إذا غيب طرفه في الأرض وقال طرفة :

وصادِقَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للسُّرَى *** لِرِكْزٍ خَفِيٍّ أو لصوتٍ مُنَدَّدِ{[10987]}

وقال ذو الرمة يصف ثورا تسمع إلى صوت صائد وكلاب :

إذا تَوَجَّسَ رِكْزاً مقفِرٌ نَدِسٌ *** بِنبأةِ الصوت ما في سمعه كذب

أي ما في استماعه كذب ، أي : هو صادق الاستماع . والنَّدِسُ الحاذق ، يقال : نَدِسٌ ونَدُس ، كما يقال : حَذِرٌ وحَذُرٌ ويقِظٌ ويَقُظٌ ، والنَّبْأَةُ : الصوت الخفي ، وكذلك الرِّكز والرِّكازُ : المال المدفون . والله تعالى أعلم بالصواب .


[10986]:توجست: تسمعت البقرة صوت الناس فأفزعها ولم تر الناس. والأنيس سقامها معناه: والأنيس هلاكها: أي يصيدها.
[10987]:يصف طرفة في هذا البيت أذني ناقته ، يعني أذنيها لا تكذبها النبأة. والمندد صفة للصوت، والصوت المندد المبالغ في النداء. ويروى: "لصوت مندد" بالإضافة وكسر الدال، والأولى هي الرواية الجيدة.