اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هَلۡ تُحِسُّ مِنۡهُم مِّنۡ أَحَدٍ أَوۡ تَسۡمَعُ لَهُمۡ رِكۡزَۢا} (98)

" وكمْ أهْلَكٍنَا قبلهُمْ مِنْ قرنٍ " لأنهم إذا تأملوا وعلموا أنه لا بد من زوال الدنيا ، وأنه لا بد فيها من الموت خافوا سوء العاقبة في الآخرة فكانوا إلى الحذر من المعاصي أقرب ، ثم أكد تعالى ذلك فقال{[22883]} : { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ }{[22884]} . قرأ الناس{[22885]} بضم التاء وكسر الحاء من أحسَّ{[22886]} .

وقرأ أبو حيوة ، وأبو جعفر{[22887]} ، وابن أبي عبلة{[22888]} " نَحُسُّ " " بفتح التاء وضم الحاء {[22889]} " {[22890]} وقرأ بعضهم : " تَحِس " بالفتح والكسر ، من حسَّه : أي شعر به ، ومنه الحواس الخمس{[22891]} . و " مِنْهُم " {[22892]} حال من " أحَد " ، إذ هو في الأصل صفة له . و " مِنْ أحَد " مفعول زيدت فيه " مِنْ . وقرأ حنظلة " {[22893]} تُسْمَعُ " بضم التاء وفتح الميم مبنياً للمفعول{[22894]} . و " رِكْزاً " مفعول على كلتا القارءتين ، إلا أنه مفعول ثان في القراءة " الشاذة " {[22895]} . والرَِّكْزُ : الصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم{[22896]} ، " ومنه ركز الرمح{[22897]} " أي غيب طرفه في الأرض وأخفاه ، ومنه الرِّكاز ، وهو المال المدفون لخفائه واستتاره{[22898]} ، وأنشدوا :

فَتَوجَّسَتْ رَكْزَ الأنيسِ فَراعَها *** عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ ، والأنيسُ سَقامُهَا{[22899]}

فصل{[22900]}

قال المفسرون : " هّلْ تُحِسُّ " ، وقيل : هل تجد{[22901]} .

" مِنْهُم مِنْ أحَدٍ " ، لأنَّ الرسول - عليه السلام{[22902]}- إذا لم يحسّ منهم أحداً برؤية وإدراك ووجدان ، ولا يسمع لهم ركزاً ، أي : صوتاً خفياً دلَّ ذلك على انقراضهم وفنائهم بالكلية{[22903]} .

قال الحسن : بادوا جميعاً ، فلم{[22904]} يبق عين ولا أثر{[22905]} .

ختام السورة:

روى الثعلبي{[1]} عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة مريم أعطي من الأجر بعدد من صدق بزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، وموسى ، وهارون ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وإسماعيل عشر حسنات ، وبعدد من دعا لله ولداً ، وبعدد من لم يدع له ولداً{[2]} " {[3]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[22883]:في ب: بقوله.
[22884]:الفخر الرازي 21/257.
[22885]:في ب: العامة.
[22886]:البحر المحيط 6/221.
[22887]:هو يزيد بن القعقاع أبو جعفر المخزومي، المدني، أحد القراء العشرة، تابعي مشهور، عرض القراءة على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وابن عباس، وأبي هريرة. وروى عنهم، وروى القراءة عنه نافع بن أبي نعيم، وغيره، مات سنة 130 هـ. طبقات القراء 2/382-384.
[22888]:تقدم.
[22889]:المختصر (86)، البحر المحيط 6/221.
[22890]:ما بين القوسين في ب: بضم التاء وفتح الحاء. وهو تحريف.
[22891]:الكشاف 2/426، البحر المحيط 6/221.
[22892]:في ب: قوله: أحد. وهو تحريف.
[22893]:في ب: حنظل. وهو حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية المكي، أخذ عن طاوس، وسالم، والقاسم، ومجاهد، وأخذ عنه الثوري، ويحيى القطان ووكيع، مات سنة 151 هـ. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 1/263.
[22894]:المختصر (86) ، الكشاف 2/426، البحر المحيط 6/221.
[22895]:ما بين القوسين: سقط من ب.
[22896]:لعله على حذف مضاف أي: ولا تحريك فم .
[22897]:اللسان (ركز).
[22898]:البيت من بحر الكامل من معلقة لبيد وهو في ديوانه (173)، ومجاز القرآن 2/14، الطبري 16/102، تفسير ابن عطية 9/547، القرطبي 11/162، البحر المحيط 6/198. التوجس: التسمع إلى الصوت الخفي، الركز: الصوت الخفي، وهو محل الشاهد. عن ظهر غيب: من وراء حجاب. سقامها: هلاكها.
[22899]:فصل: سقط من ب.
[22900]:البغوي: 5/407.
[22901]:في ب: عليه الصلاة.
[22902]:الفخر الرازي 21/257.
[22903]:في ب: ولم.
[22904]:البغوي 5/407.
[22905]:تقدم.