في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ} (48)

48

( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين . الذين يخشون ربهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون . وهذا ذكر مبارك أنزلناه ، أفأنتم له منكرون ? ) .

ولقد سبق في سياق السورة أن المشركين كانوا يستهزئون بالرسول [ ص ] لأنه بشر . وأنهم كانوا يكذبون بالوحي ، ويقولون : إنه سحر أو شعر أو افتراء .

فها هو ذا يكشف لهم أن إرسال الرسل من البشر هي السنة المطردة ، وهذه نماذج لها من قبل . وأن نزول الكتب على الرسل ليس بدعة مستغربة فهاهما ذان موسى وهارون آتاهما الله كتابا .

ويسمى هذا الكتاب " الفرقان " وهي صفة القرآن . فهناك وحدة حتى في الاسم . ذلك أن الكتب المنزلة كلها فرقان بين الحق والباطل ، وبين الهدى والضلال ، وبين منهج في الحياة ومنهج ، واتجاه في الحياة واتجاه . فهي في عمومها فرقان . وفي هذه الصفة تلتقي التوراة والقرآن .

وجعل التوراة كذلك ، ( ضياء )يكشف ظلمات القلب والعقيدة ، وظلمات الظلال والباطل . وهي ظلمات يتوه فيها العقل ويضل فيها الضمير . وإن القلب البشري ليظل مظلما حتى تشرق فيه شعلة الإيمان ، فتنير جوانبه ، ويتكشف له منهجه ، ويستقيم له اتجاهه ، ولا تختلط عليه القيم والمعاني والتقديرات .

وجعل التوراة كالقرآن ( ذكرا للمتقين )تذكرهم بالله ، وتبقى لهم ذكرا في الناس . وماذا كان بنو إسرائيل قبل التوراة ? كانوا أذلاء تحت سياط فرعون ، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ويستذلهم بالسخرة والإيذاء .