تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

{ 8 - 10 } { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } أي : أفلم يتفكر هؤلاء المكذبون لرسل اللّه ولقائه { فِي أَنْفُسِهِمْ } فإن في أنفسهم آيات يعرفون{[7]} بها أن الذي أوجدهم من العدم سيعيدهم بعد ذلك وأن الذي نقلهم أطوارا من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى آدمي قد نفخ فيه الروح إلى طفل إلى شاب إلى شيخ إلى هرم ، غير لائق أن يتركهم سدى مهملين لا ينهون ولا يؤمرون ولا يثابون ولا يعاقبون . { مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ } [ أي ] ليبلوكم أيكم أحسن عملا . { وَأَجَلٌ مُسَمًّى } أي : مؤقت بقاؤهما إلى أجل تنقضي به الدنيا وتجيء به القيامة وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات .

{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } فلذلك لم يستعدوا للقائه ولم يصدقوا رسله التي أخبرت به وهذا الكفر عن غير دليل ، بل الأدلة القاطعة قد دلت على البعث والجزاء .


[7]:- كتبت الكلمة مرتين مرة بالإفراد، ومرة بالجمع، وجاء في هامش أ ما نصه: (قرأ أهل البصرة وحفص (وكتبه). وقرأ الآخرون (وكتابه) على التوحيد).
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ( 8 ) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( 9 ) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون } .

ينبه الله على التفكر فيما خَلَقه من عجيب الخلائق الكثيرة والمختلفة . وهي بكثرتها وعجيب صنعها وكامل اتساقها وانسجامها وتكاملها ، تدل قطعا على عظمة الخالق الصانع المدبّر وعلى أنه وحده متفرد بالخلق والإبداع ، وليس له في ذلك شريك ولا نديد . وهو قوله : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ } { مّا } : نافية . والمراد بالتفكر ؛ النظر والتدبر والتأمل في الكائنات وفيما خلق الله من أشياء كثيرة في السماوات بطباقها الواسعة المديدة ، وفي الأرض وما حوته من مياه ومعادن وأناسي ونبات مختلف ألوانه وأجناسه . وما بين ذلك كله وما في خلاله من أجرام ومُركَّبات وكائنات إحياء وغير أحياء . أو لم يتفكر الناس في كل هذه المخلوقات العجائب ؛ ليعلموا أنها لم تخلق عبثا ولا باطلا ولا سدى . بل خلقت بالحق ؛ أي بالعدل ، أو أن خلقها هو الحق ، أو أن الله خلقها للحق .

قوله : { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي خلق الله السماوات والأرض إلى أجل مسمى ينتهيان إليه وهو يوم القيامة . فيومئذ تُبدل الأرض غير الأرض والسماوات .

قوله : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } اللام للتوكيد . والمعنى : أن كثيرا من الخلق جاحدون مكذوبون بالبعث والدين ، منكرون للمعاد بعد الموت . لا جرم أن هؤلاء هالكون خاسرون .