تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا} (8)

{ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ ْ } والحال أن المانع من وجود الولد ، موجود بي وبزوجتي ؟ وكأنه وقت دعائه ، لم يستحضر هذا المانع لقوة الوارد في قلبه ، وشدة الحرص العظيم على الولد ، وفي هذه الحال ، حين قبلت دعوته ، تعجب من ذلك ، فأجابه الله بقوله : { كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ْ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا} (8)

جملة { قَالَ رَبّ } جواب للبشارة .

و { أنى } استفهام مستعمل في التعجب ، والتعجب مكنى به عن الشكر ، فهو اعتراف بأنها عطية عزيزة غير مألوفة لأنّه لا يجوز أن يسأل الله أن يهب له ولداً ثمّ يتعجب من استجابة الله له . ويجوز أن يكون قد ظن الله يهب له ولداً من امرأة أخرى بأن يأذنه بتزوج امرأة غير عاقر ، وتقدّم القول في نظير هذه الآية في سورة آل عمران .

وجملة { امرأتي عاقراً } حال من ياء التكلّم . وكرّر ذلك مع قوله في دعائه { وكَانَتِ امرأتي عاقِراً } . وهو يقتضي أنّ زكرياء كان يظن أن عدم الولادة بسبب عقر امرأته ، وكان الناس يحسبون ذلك إذا لم يكن بالرجل عُنّةٌ ولا خصاء ولا اعتراض ، لأنهم يحسبون الإنعَاظ والإنزال هما سبب الحمل إن لم تكن بالمرأة عاهة العُقر .

وهذا خطأ فإن عدم الولادة يكون إمّا لعلّة بالمرأة في رحمها أو لعلة في ماء الرجل يكون غير صالح لنماء البويضات التي تبرزها رحم المرأة .

و { من } في قوله { من الكبر عُتِيّاً } للابتداء ، وهو مجاز في معنى التعليل .

والكِبر : كثرة سني العمر ، لأنه يقارنه ظهور قلّة النشاط واختلال نظام الجسم .

و { عُتِيّاً } مفعول { بَلَغْتُ } .

والبلوغ : مجاز في حلول الإبان ، وجعل نفسه هنا بالغاً الكبر وفي آية آل عمران ( 40 ) قال : { وقد بلغني الكبر } لأن البلوغ لما كان مجازاً في حصول الوصف صح أن يسند إلى الوصف وإلى الموصوف .

والعُتيّ بضم العين في قراءة الجمهور مصدر عتا العود إذا يبس ، وهو بوزن فعول أصله عُتُووٌ ، والقياس فيه أن تصحح الواو لأنها إثر ضمّة ولكنهم لما استثقلوا توالي ضمتين بعدهما واوان وهما بمنزلة ضمتين تخلصوا من ذلك الثقل بإبدال ضمّة العين كسرة ثم قلبوا الواو الأولى ياء لوقوعها ساكنة إثْرَ كسرة فلما قلبت ياءً اجتمعت تلك الياء مع الواو التي هي لام ، وكأنهم ما كسروا التاء في عتي بمعنى اليبس إلاّ لدفع الالتباس بينه وبين العُتوّ الذي هو الطغيان فلا موجب لطلب تخفيف أحدهما دون الآخر .

شبه عظامه بالأعواد اليابسة على طريقة المكنية ، وإثباتُ وصف العُتي لها استعارة تخييلية .