تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا} (8)

الآية 8 : وقوله تعالى : { قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا } وقال الحسن : عباد الله إن زكريا استوهب ربه الولد ، فأجابه ، وبشره ، فقال { أنى يكون لي غلام } وطلب منه الآية لذلك . فقال : { اجعل لي آية } ( مريم : 10 ) فما عابه على ذلك ، ولا وَبَّخَهُ ، ولكن رحمه ، أو كلاما{[11910]} نحو هذا .

وقال غيره : إنما ( أمره أن يمسك لسانه ويعتقله ) {[11911]} عقوبة لما سأل من الآية .

هؤلاء كلهم يجعلون ذلك منه ( زلة ) {[11912]} . إلا أن الحسن قال : لم يَعِبْهُ على ذلك ، ولا عاقبه عليه ، ولكن ذكر ( ذلك رحمة منه ) إليه . وغيره يجعل ذلك عقوبة لما كان منه .

وجائز أن يُخَّرَجَ ذلك على غير ما قالوا ؛ وهو أن قوله : { أنى يكون لي غلام } أي على أي حال يكون مني الولد ؟ على الحال التي أنا عليها ؟ أو أُرَدُّ إلى{[11913]} شبابي ؛ ففي تلك الحال يكون مني الولد . فذلك منه استخبار واستعلام عن الحال الذي يكون منه الولد ، ليس على أنه لم يعرف أنه قادر على إنشاء الولد في حال الكبر وبسبب وبلا سبب .

وعلى ذلك يخرج قوله حين{[11914]} { قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } ( مريم : 9 ) أي قبل أن نخلقك لم تكن شيئا وطلب الآية والعلامة بعدما بُشِّر { قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } ( مريم : 10 ) يخرج على وجهين :

أحدهما : أنه لما بشر بالولد لعله أشكل عليه بأن تلك ( البشارة ){[11915]} بشارة مُلك أو غيره ، فطلب منه العلامة ليعرف أن تلك بشارة ملك وأنها من الله لا من غيره لأنه ذكر في الآية : { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا } ( آل عمران : 39 ) فطلب الآية يَخْرُجُ منه على استعلام بشارة الملك وأن ذلك من الله أنه ( لم يعرف أن الله ) {[11916]} قادر على خلقه في كل حال . هذا لا يظن بأضعف مؤمن في الدنيا ، فكيف يظن بنبي من الأنبياء ؟

( والثاني ) {[11917]} : أن يكون طلب الآية منه ليعرف وقت حملها الولد ووقت وقوعه في الرحم ليسبق له السرور بحمله عن وقت الولادة وعن وقت وقوع بصره عليه ، والله أعلم .


[11910]:في الأصل و م: كلام.
[11911]:في الأصل و م: أمسك لسانه واعتقله.
[11912]:من م ساقطة من الأصل.
[11913]:من م، في الأصل: على.
[11914]:في الأصل و م: حيث.
[11915]:ساقطة من الأصل و م.
[11916]:في م: لم يعرف قدرة الله أنه، ساقطة من الأصل.
[11917]:في الأصل و م: أو.