الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا} (8)

قوله : { عِتِيّاً } : فيه أربعةُ أوجهٍ ، أظهرُها : أنه مفعولٌ به ، أي : بَلَغْتُ عِتِيَّاً من الكِبَرِ ، فعلى هذا { مِنَ الْكِبَرِ } يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب " بَلَغْتُ " ، ويجوز أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ " عِتِيَّا " لأنه في الأصلِ صفةٌ له كما قَدَّرْتُه لك . الثاني : أن يكونَ مصدراً مؤكِّداً مِنْ الفعل ، لأنَّ / بلوغَ الكِبرَ في معناه . الثالث : أنَّه مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحالِ من فاعل " بَلَغْتُ " ، أي : عاتياً أو ذاعِتِيّ . الرابع : أنه تمييزٌ . وعلى هذه الأوجهِ الثلاثةِ ف " مِنْ " مزيدةٌ ، ذكره أبو البقاء ، والأولُ هو الوجهُ .

والعُتُوُّ : بزنة فُعُوْل ، وهو مصدرُ عَتا يَعْتُو ، أي : يَبِس وصَلُب . قال الزمخشري : " وهو اليُبْس والجَسَاوَةُ في المفاصِلِ والعظام كالعُوْدِ القاحِل يُقال : عَتا العُوْدُ وجَسا ، أو بَلَغْتُ مِنْ مدارجِ الكِبَر ومراتبِه ما يُسَمَّى عِتِيَّا " يريد بقوله : " أو بَلَغْتُ " أنه يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ عتا يَعْتُو ، أي : فَسَدَ .

والأصل : عُتُوْوٌ بواوين فاسْتُثْقِل واوان بعد ضمتين ، فَكُسِرَتِ التاءُ تخفيفاً فانقلبت الواوُ الأولى ياءً لسكونها وانكسارِ ما قبلها ، فاجتمع ياءٌ وواوٌ ، وسَبَقَتْ إحداهما بالسكون ، فَقُلبت الواوُ ياءً وأُدْغِمت فيها الياءُ الأُولى . وهذا الإِعلالُ جارٍ في المفرد كهذا ، والجمعِ نحو : " عِصِيّ " إلا أنَّ الكثيرَ في المفردِ التصحيحُ كقولِه : " وعَتَوْا عُتُوَّاً كبيراً " وقد يُعَلُّ كهذه الآية ، والكثيرُ في الجمع والإِعلالُ ، وقد يُصَحَّحُ نحو : " إنكم لتنظرون في نُحُوّ كثيرة " وقالوا : فُتِيَ وفُتُوّ .

وقرا الأخَوان " عِتِيَّا " و " صِلِيَّا " و " بِكِيَّا " و " جِثِيَّا " بكسر الفاء للإِتباع ، والباقون بالضمِّ على الأصل .

وقرأ عبدُ الله بن مسعود بفتح الأول مِنْ " عَتِيَّا " و " صَلِيَّا " جَعَلَهما مصدَرَيْن على زنة فَعيل كالعَجيج والرَّحيل .

وقرأ عبد الله ومجاهد " عُسِيَّا " بضم العين وكسر السينِ المهملة . وتقدَّم اشتقاقُ هذه اللفظة في الأعراف وتصريفُها .