فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا} (8)

{ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقر وقد بلغت من الكبر عتيا ( 8 ) قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ( 9 ) قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ( 10 ) فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ( 11 ) يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ( 12 ) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ( 13 ) } .

{ قال رب أنى } أي كيف ومن أين { يكون لي غلام } وليس معنى هذا الاستفهام الاستبعاد والإنكار ، بل التعجب والاستكشاف من قدرة الله وبديع صنعه حيث يخرج ولدا من امرأة عاقر وشيخ كبير { وكانت امرأتي عاقرا } أي لا تلد ؛ والجملة حال من الياء في لي ، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في آل عمران .

{ وقد بلغت من الكبر عتيا } أي يأسا ، يريد بذلك نحول الجسم والجلد ودقة العظم أي يبسا جساوة{[1157]} في المفاصل والعظام من أجل الكبر والطعن في السن العالية يقال عتا الشيخ يعتو عتيا إذا انتهت سنه وكبر ، وشيخ عات إذا صار إلى حال اليبس والجفاف والأصل عتوا لأنه من ذوات الواو فأبدلوها ياء لكونها أخف قال السمين : فيه أربعة أوجه أظهرها أنه مفعول به ، أو مصدر مؤكد لمعنى الفعل أو مصدر وقع موقع الحال ، أي عاتيا أو ذا عتو ، الرابع أنه تمييز ، وعلى هذه الأوجه الثلاثة { من } مزيدة ذكره أبو البقاء ، والأول هو الأوجه ، انتهى ، وقرئ عتيا بكسر العين وبضمها وهما لغتان ، وكلتا الجملتين لتأكيد الاستبعاد .

والتعجب المستفاد من قوله : { أنى يكون لي غلام } قال ابن عباس : لا أدري كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف عتيا أو عتيا . وعن عطاء في قوله عتيا قال : لبث زمانا في الكبر وقال السدي : هرما ، والمعنى كيف يحصل بيننا ولد الآن وقد كانت امرأتي عاقرا لم تلد في شبابها وشبابي : وهي الآن عجوز وأنا شيخ هرم .

ثم أجاب الله سبحانه عن هذا السؤال المشعر بالتعجب والاستبعاد بقوله :


[1157]:جسا ضد لطف وجست اليد وغيرها جسوا وجساء يبست وجسا الشيخ جسوا بلغ غاية السن والماء، أ هـ صحاح.