تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (84)

يخبر تعالى عن مضاعفة فضله ، وتمام عدله فقال : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ } شرط فيها أن يأتي بها العامل ، لأنه قد يعملها ، ولكن يقترن بها ما لا تقبل منه أو يبطلها ، فهذا لم يجيء بالحسنة ، والحسنة : اسم جنس يشمل جميع ما أمر اللّه به ورسوله ، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، المتعلقة بحق الله تعالى وحق{[617]}  عباده ، { فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } [ أي : أعظم وأجل ، وفي الآية الأخرى { فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } ]{[618]}

هذا التضعيف للحسنة ، لا بد منه ، وقد يقترن بذلك من الأسباب ما تزيد به المضاعفة ، كما قال تعالى : { وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } بحسب حال العامل وعمله ، ونفعه ومحله ومكانه ، { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ } وهي كل ما نهى الشارع عنه ، نَهْيَ تحريم . { فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } كقوله تعالى : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }


[617]:- في ب : وحقوق العباد.
[618]:- زيادة من هامش: ب.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (84)

تتنزل جملة { من جاء بالحسنة } منزلة بدل الاشتمال لجملة { والعاقبة للمتقين } [ القصص : 83 ] لأن العاقبة ذات أحوال من الخير ودرجات من النعيم وهي على حسب ما يجيء به المتقون من الحسنات فتفاوت درجاتهم بتفاوتها .

وفي اختيار فعل { جاء } في الموضعين هنا إشارة إلى أن المراد من حضر بالحسنة ومن حضر بالسيئة يوم العرض على الحساب . ففيه إشارة إلى أن العبرة بخاتمة الأمر وهي مسألة الموافاة . وأما اختيار فعل { عملوا } في قوله { الذين عملوا السيئات } فلما فيه من التنبيه على أن عملهم هو علة جزائهم زيادة في التنبيه على عدل الله تعالى .

ومعنى { فله خير منها } أن كل حسنة تحتوي على خير لا محالة يصل إلى نفس المحسن أو إلى غيره فللجائي بالحسنة خيرٌ أفضل مما في حسنته من الخير ، أو فله من الله إحسان عليها خير من الإحسان الذي في الحسنة قال تعالى في آيات أخرى { فله عشر أمثالها } [ الأنعام : 160 ] أي فله من الجزاء حسنات أمثالها وهو تقدير يعلمه الله .

ولما ذكر جزاء الإحسان أعقب بضد ذلك مع مقابلة فضل الله تعالى على المحسن بعدله مع المسيء على عادة القرآن من قرن الترغيب بالترهيب .

و { من جاء بالسيئة } ما صدقه الذين عملوا السيئات ، و { الذين عملوا السيئات } الثاني هو عين { من جاء بالسيئة } فكان المقام مقام الإضمار بأن يقال : ومن جاء بالسيئة فلا يُجزَوْن الخ ؛ ولكنه عدل عن مقتضى الظاهر لأن في التصريح بوصفهم ب { عملوا السيئات } تكريراً لإسناد عمل السيئات إليهم لقصد تهجين هذا العمل الذميم وتبغيض السيئة إلى قلوب السامعين من المؤمنين .

وفي قوله { إلا ما كانوا يعملون } استثناء مفرغ عن فعل { يُجزَى } المنفي المفيد بالنفي عموم أنواع الجزاء ، والمستثنى تشبيه بليغ ، أي جزاء شبه الذي كانوا يعملونه . والمراد المشابهة والمماثلة في عرف الدين ، أي جزاء وفاقاً لما كانوا يعملون وجارياً على مقداره لا حيف فيه وذلك موكول إلى العلم الإلهي .