اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (84)

قوله : { مَن جَاءَ بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } ، لمَّا بيَّن أن الدار الآخرة ليست إلا للمتقين بيَّن{[40937]} بعد ذلك ما يحصل لهم فقال : { مَن جَاءَ بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } ، والمعنى : أنهم يزادون على ثوابهم ، وقوله : { وَمَن جَاءَ بالسيئة فَلاَ يُجْزَى الذين عَمِلُوا السيئات إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وظاهره أنهم لا يزادون على ما يستحقون{[40938]} .

فقوله : { فَلاَ يُجْزَى الذين } من إقامة الظاهر مقام المضمر تشنيعاً عليهم ، وقوله : { إِلاَّ مَا كَانُوا } أي : إلاَّ مثل ما كانوا ، قال الزمخشري : إنما كرر ذكر السيئات ، لأن في إسناد عمل السيئة إليهم مكرراً فضل تهجين لحالهم ، وزيادة تبغيض للسيئة إلى السامعين ، وهذا من فضله العظيم أنه لا يجزي بالسيئة إلا مثلها ، ويجزي بالحسنة بعشر{[40939]} أمثالها{[40940]} .

فإن قيل : قال تعالى : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] كرر ذكر الإحسان واكتفى في ذكر الإساءة بمرة واحدة ، ( وفي هذه الآية كرر الإساءة واكتفى في ذكر الإحسان بمرة واحدة ){[40941]} فما السبب ؟ .

والجواب{[40942]} : أن هذا المقام مقام الترغيب في الدار الآخرة فكانت المبالغة في النهي{[40943]} عن المعصية مبالغة في الدعوة إلى الآخرة ، وأما الآية الأخرى فهي في شرح حالهم فكانت المبالغة في ذكر محاسنهم أولى{[40944]} . فإن قيل : كيف لا تجزى السيئة إلا بمثلها مع أن المتكلم بكلمة الكفر إذا مات في الحال عذب أبد الآباد ؟ فالجواب : لأنه كان على عزم أنه لو عاش أبداً لقال ذلك فعومل بمقتضى عزمه{[40945]} .


[40937]:في ب: وبيَّن.
[40938]:انظر الفخر الرازي 25/21.
[40939]:في ب: عشر.
[40940]:انظر الكشاف 3/181. بتصرف.
[40941]:ما بين القوسين سقط من ب.
[40942]:في ب: فالجواب.
[40943]:في ب: المنهي.
[40944]:انظر الفخر الرازي 25/22.
[40945]:المرجع السابق.