فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (84)

{ من جاء } يوم القيامة متصفا { بالحسنة } بأن كان من المؤمنين ، والحسنة ما يحمد فاعلها شرعا ، وسميت حسنة لحسن وجه صاحبها عند رؤيتها في القيامة ، المراد الحسنة المقبولة الأصلية المعمولة للعبد أو ما في حكمها ، كما لو تصدق عنه غيره ، لا المأخوذة في نظير ظلامتهم ، كما لو ضرب زيد عمرا ضربة ، وكان لزيد حسنات موجودة فيؤخذ منها فيعطي لعمرو فهذه الحسنة لا تنسب لعمرو ، لا حقيقة ولا حكما فلا تضاعف له . وخرج بالمعمولة ما لو هم بحسنة فلم يعملها لمانع ، فإنها تكتب له واحدة ، ويجازي عليها من غير تضعيف .

{ فله خير منها } وهو أن الله يجازيه بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والتضعيف خاص بهذه الأمة ، وأما غير هذه الأمة من بقية الأمم فلا تضعيف لهم ، والصواب دخول المضاعفة في حسنات العصاة إن كانت على وجه يتناوله القبول ، بأن يعملها على وجه لا رياء فيه ولا سمعة ، وعدم دخولها في أعمال الكفار لأنه لا يجتمع مع الكفر طاعة مقبولة ، وإن لم يسلم ، وإلا فتكون كالمقبولة في الإسلام ، ولا تضاعف الحسنات الحاصلة بالتضعيف .

{ من جاء بالسيئة فلا يجزى } معناه فلا يجزون فوضع { الذين عملوا السيئات } موضع الضمير لأن في إسناد عمل السيئة إليهم مكررا فضل تهجين لحالهم ، وزيادة للسيئة إلى قلوب السامعين ، والسيئة هي ما يذم فاعلها شرعا صغيرة كانت أو كبيرة ، وسميت سيئة لأن فاعلها يساء بها عند المجازاة عليها { إلا } مثل { ما كانوا يعملون } وحذف المثل ، وأقيم مقامه ما كانوا الخ مبالغة في المماثلة ، ومن فضله العظيم أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها ، ويجزي الحسنة بعشرة أمثالها وبسبعمائة ، وقد تقدم بيان معنى هذه الآية في سورة النمل .