السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (84)

ولما بيَّن تعالى أن الدار الآخرة ليست لمن يريد علواً في الأرض ولا فساداً بل هي للمتقين بين بعد ذلك ما يحصل فقال تعالى : { من جاء بالحسنة فله خير منها } من عشرة أضعاف إلى سبعين إلى سبعمائة ضعف إلى ما لا يحيط به إلا الله تعالى { ومن جاء بالسيئة } وهي ما نهى الله تعالى عنه ومنه إخافة المؤمنين { فلا يجزى } أي : من أيّ جاز وأظهر ما في هذا الفعل من الضمير العائد على من بقوله تعالى : { الذين عملوا السيئآت } تصويراً لحالهم وتقبيحاً لهم وتنفيراً من عملها { إلا } جزاء { ما كانوا يعملون } أي : مثله وهذا من فضل الله العظيم وكرمه الواسع أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها ويجزي الحسنة بأكثر منها كما مرّ ، فإن قيل قال تعالى : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } ( الإسراء : 7 ) كرر ذكر الإحسان واكتفى في ذكر الإساءة بمرة واحدة فما السبب في ذلك ؟ .

أجيب : بأن هذا المقام مقام ترغيب في الدار الآخرة فكانت المبالغة في النهي عن المعصية مبالغة في الدعوة إلى الآخرة ، وأما الآية الأخرى فهي شرح حالهم فكانت المبالغة في ذكر محاسنهم أولى ، فإن قيل : كيف أنه تعالى لا يجزي السيئة إلا بمثلها مع أن المتكلم بكلمة الكفر إذا مات في الحال عذب أبد الآباد ؟ أجيب : بأنه كان على عزم أنه لو عاش أبداً لقال ذلك فعومل بمقتضى عزمه .