{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ْ } فاجتمعوا وائتلفوا ، وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم ، ولم يكن هذا بسعي أحد ، ولا بقوة غير قوة اللّه ، فلو أنفقت ما في الأرض جميعا من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة { مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ْ } لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا اللّه تعالى .
{ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ْ } ومن عزته أن ألف بين قلوبهم ، وجمعها بعد الفرقة كما قال تعالى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ْ }
التأليف بين قلوب المؤمنين مِنّة أخرى على الرسول ، إذ جعَل أتباعه متحابّين وذلك أعون له على سياستهم ، وأرجى لاجتناء النفع بهم ، إذ يكونون على قلب رجل واحد ، وقد كان العرب يفضلون الجيش المؤلف من قبيلة واحدة ، لأنّ ذلك أبعد عن حصول التنازع بينهم .
وهو أيضاً منة على المؤمنين إذ نزع من قلوبهم الأحقاد والإحن ، التي كانت دأب الناس في الجاهلية ، فكانت سبب التقاتل بين القبائل ، بعضها مع بعض ، وبين بطون القبيلة الواحدة . وأقوالهم في ذلك كثيرة . ومنها قول الفضل بن العبّاس اللهَبي :
مَهْلاً بني عمّنا مهلاً موالينا *** لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
اللَّه يعلم أنّا لا نحبكمـــو *** ولا نلومكمو أنْ لا تحبونـا
فلمّا آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم انقلبت البغضاء بينهم مودّة ، كما قال تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } [ آل عمران : 103 ] ، وما كان ذلك التآلف والتحابّ إلاّ بتقدير الله تعالى فإنّه لم يحصل من قبل بوشائِج الأنساب ، ولا بدعوات ذوي الألباب .
ولذلك استأنف بعدَ قوله : { وألف بين قلوبهم } قوله : { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } استئنافا ناشئاً عن مساق الامتنان بهذا الائتلاف ، فهو بياني ، أي : لو حاولت تأليفهم ببذل المال العظيم ما حصل التآلف بينهم .
فقوله : { ما في الأرض جميعاً } مبالغة حسنة لوقوعها مع حرف ( لو ) الدالّ على عدم الوقوع . وأمّا ترتّب الجزاء على الشرط فلا مبالغة فيه ، فكان التأليف بينهم من آيات هذا الدين ، لما نظّم الله من ألفتهم ، وأماط عنهم من التباغض . ومن أعظم مشاهد ذلك ما حدث بين الأوس والخزرج من الإحن قبل الإسلام ممّا نشأت عنه حرب بُعاث بينهم ، ثم أصبحوا بعد حين إخواناً أنصاراً لله تعالى ، وأزال الله من قلوبهم البغضاءِ بينهم .
و { جميعاً } منصوباً على الحال من { ما في الأرض } وهو اسم على وزن فعيل بمعنى مجتمع ، وسيأتي بيانه عند قوله تعالى : { فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون } في سورة [ هود : 55 ] .
وموقع الاستدراك في قوله : { ولكن الله ألف بينهم } لأجل ما يتوهّم من تعذّر التأليف بينهم في قوله : { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم } أي ولكن تكوين الله يلين به الصلب ويحصل به المتعذر .
والخطاب في { أنفقت } و { ألَّفت } للرسول صلى الله عليه وسلم باعتبار أنّه أول من دعا إلى الله . وإذْ كان هذا التكوين صنعاً عجيباً ذَيّل الله الخبر عنه بقوله : { إنه عزيز حكيم } أي قوي القدرة فلا يعجزه شيء ، محكم التكوين فهو يكوّن المتعذر ، ويجعله كالأمر المسنون المألوف .
والتأكيد ب« إنَّ » لمجرّد الاهتمام بالخبر باعتبار جعله دليلاً على بديع صنع الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.