تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الفجر وهي مكية

{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ }

الظاهر أن المقسم به ، هو المقسم عليه ، وذلك جائز مستعمل ، إذا كان أمرًا ظاهرًا مهمًا ، وهو كذلك في هذا الموضع .

فأقسم تعالى بالفجر ، الذي هو آخر الليل ومقدمة النهار ، لما في إدبار الليل وإقبال النهار ، من الآيات الدالة على كمال قدرة الله تعالى ، وأنه وحده المدبر{[1424]} لجميع الأمور ، الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، ويقع في الفجر صلاة فاضلة معظمة ، يحسن أن يقسم الله بها .


[1424]:- في ب: وأنه تعالى هو المدبر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡفَجۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

لم يختلف في تسمية هذه السورة { سورة الفجر } بدون الواو في المصاحف والتفاسير وكتب السنة .

وهي مكية باتفاق سوى ما حكى ابن عطية عن أبي عمرو الداني أنه حكى عن بعض العلماء وأنها مدنية .

وقد عدت العاشرة في عداد نزول السور . نزلت بعد سورة الليل وقبل سورة الضحى .

وعدد آيها اثنتان وثلاثون عند أهل العدد بالمدينة ومكة عدوا قوله { ونعمه } منتهى آية ، وقوله { رزقه } منتهى آيه . ولم يعدها غيرهم منتهى آية ، وهي ثلاثون عند أهل العدد بالكوفة والشام وعند أهل البصرة تسع وعشرون .

فأهل الشام عدوا { بجهنم } منتهى آية . وأهل الكوفة عدوا { في عبادي } منتهى آية .

أغراضها حوت من الأغراض ضرب المثل لمشركي أهل مكة في إعراضهم عن قبول رسالة ربهم بمثل عاد وثمود وقوم فرعون .

وإنذارهم بعذاب الآخرة .

وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم مع وعده باضمحلال أعدائه .

وإبطال غرور المشركين من أهل مكة إذ يحسبون أن ما هم فيه من النعيم علامة على أن الله أكرمهم وأن ما فيه المؤمنون من الخصاصة علامة على أن الله أهانهم .

وأنهم أضاعوا شكر الله على النعمة فلم يواسوا ببعضها على الضعفاء وما زادتهم إلا حرصا على التكثر منها .

وأنهم يندمون يوم القيامة على أن لم يقدموا لأنفسهم من الأعمال ما ينتفعون به يوم لا ينفع نفس مالها ولا ينفعها إلا إيمانها وتصديقها بوعد ربها . وذلك ينفع المؤمنين بمصيرهم إلى الجنة .

القَسَم بهذه الأزمان من حيث إن بعضها دلائل بديع صنع الله وسعةِ قدرته فيما أوجد من نظام يُظاهر بعضه بعضاً من ذلك وقتَ الفجر الجامع بين انتهاء ظلمة الليل وابتداء نور النهار ، ووقت الليل الذي تمحضت فيه الظلمة . وهي مع ذلك أوقات لأفعال من البر وعبادةِ الله وحده ، مثل الليالي العشر ، والليالي الشفع ، والليالي الوتر .

والمقصود من هذا القَسَم تحقيق المقسم عليه لأن القسم في الكلام من طرق تأكيد الخبر إذ القسم إشهاد المُقسِم ربه على ما تضمنه كلامه .

وقسم الله تعالى متمحض لقصد التأكيد .

والكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما دل عليه قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } [ الفجر : 6 ] وقوله : { إن ربك لبالمرصاد } [ الفجر : 14 ] .

ولذلك فالقسم تعريض بتحقيق حصول المقسم عليه بالنسبة للمنكرين .

والمقصد من تطويل القسم بأشياء ، التشويقُ إلى المقسم عليه .

و { الفجر } : اسم لوقتتِ ابتداء الضياء في أقصى المشرق من أوائل شعاع الشمس حين يتزحزح الإِظلام عن أول خط يلوح للناظرِ مِنَ الخطوط الفرضية المعروفةِ في تخطيط الكرة الأرضية في الجغرافيا ثم يمتد فيضيء الأفق ثم تظهر الشمس عند الشروق وهو مظهر عظيم من مظاهر القدرة الإلهية وبديع الصنع .

فالفجر ابتداء ظهور النور بعد ما تأخذ ظلمة الليل في الإِنصرام وهو وقت مبارك للناس إذ عنده تنتَهي الحالة الداعية إلى النوم الذي هو شبيه الموت ؛ ويأخذ الناس في ارتجاع شعورهم وإقبالهم على ما يألفونه من أعمالهم النافعة لهم .

فالتعريف في { الفجر } تعريف الجنس وهو الأظهر لمناسبة عطف { والليل إذا يسر } .

ويجوز أن يراد فجر معين : فقيل أريد وقت صلاة الصبح من كل يوم وهو عن قتادة . وقيل : فجر يوم النحر وهو الفجر الذي يكون فيه الحجيج بالمزدلفة وهذا عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ، فيكون تعريف { الفجر } تعريف العهد .