ولما كان قوله : { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ } قد يتوهم منه أيضا ، أن الكفار الداعين إلى كفرهم -ونحوهم ممن دعا إلى باطله- ليس عليهم إلا ذنبهم الذي ارتكبوه ، دون الذنب الذي فعله غيرهم ، ولو كانوا متسببين فيه ، قال : [ مخبرا عن هذا الوهم ]{[620]}{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ } أي : أثقال ذنوبهم التي عملوها { وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ } وهي الذنوب التي بسببهم ومن جرائهم ، فالذنب الذي فعله التابع [ لكل من التابع ] ، والمتبوع حصته منه ، هذا لأنه فعله وباشره ، والمتبوع [ لأنه ] تسبب في فعله ودعا إليه ، كما أن الحسنة إذا فعلها التابع له أجرها بالمباشرة ، وللداعي أجره بالتسبب . { وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } من الشر وتزيينه ، [ وقولهم ]{[620]} { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ }
ثم أخبر تعالى عن أولئك الكفرة أنهم يحملون أثقالهم من كفرهم الذي يجترحونه ويتلبسون به ، و { أثقالاً مع أثقالهم } يريد ما يلحقهم من إغوائهم لعامتهم وأتباعهم فإنه بلحق كل داع إلى ضلالة كفل منها حسب الحديث المشهور ، «أيما داع إلى هدى فاتبع عليه فله مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً وأيما داع دعا إلى ضلالة » الحديث{[9221]} .
قال القاضي أبو محمد : وهي وإن كانت من { أثقالهم } فلكونها بسبب غيرهم وعن غير كفر تلبسوه فرق بينها وبين { أثقالهم } ولم ينسبها إلى غيرهم بل جعلها في رتبة فقط فهم فيها إنما يزرون بوزر أنفسهم ، وقد يترتب حمل أثقال الغير بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه يقتص للمظلوم بأن يعطى من حسنات ظالمه فإن لم يبق للظلم حسنة أخذ من سيئات المظلوم فطرحت عليه »{[9222]} ، وقوله تعالى : { وليسألن } ، يريد على جهة التوبيخ والتقريع لا على جهة الاستفهام والاستعلام ، و { يفترون } ، معناه يختلقون من الكفر ودعوى الصاحبة والولد لله تعالى وغير ذلك .
بعد أن كذبهم في قولهم { ولنحمل خطاياكم } [ العنكبوت : 12 ] وكشف كيدهم بالمسلمين عطف عليه ما أفاد أنهم غير ناجين من حمل تبعات لأقوام آخرين وهم الأقوام الذين أضلوهم وسوَّلوا لهم الشرك والبهتان على وجه التأكيد بحملهم ذلك . فذِكر الحمل تمثيل . والأثقال مجاز عن الذنوب والتبعات . وهو تمثيل للشقاء والعناء يوم القيامة بحال الذي يحمل متاعه وهو موقر به فيزاد حمل أمتعة أناس آخرين .
وقد علم من مقام المقابلة أن هذا حمل تثقيل وزيادة في العذاب وليس حملاً يدفع التبعة عن المحمول عنه ، وأن الأثقال المحمولة مع أثقالهم هي ذنوب الذين أضلوهم وليس من بينها شيء من ذنوب المسلمين لأن المسلمين سالمون من تضليل المشركين بما كشف الله لهم من بهتانهم .
وجملة { وليسألُنّ يوم القيامة عما كانون يفترون } تذييل جامع لمؤاخذتهم بجميع ما اختلقوه من الإفك والتضليل سواء ما أضلوا به أتباعهم وما حاولوا به بتضليل المسلمين فلم يقعوا في أشراكهم ، وقد شمل ذلك كله لفظ الافتراء ، كما عبر عن محاولتهم تغرير المسلمين بأنهم فيه كاذبون .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني: وليحملن أوزارهم التي عملوا، وأوزارا مع أوزارهم؛ لقولهم للمؤمنين: اتبعوا سبيلنا {مع} يعني: إلى أوزارهم التي عملوا لأنفسهم.
{وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون} من الكذب لقولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله عز وجل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وليحملنّ هؤلاء المشركون بالله القائلون للذين آمنوا به اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم أوزار أنفسهم وآثامها، وأوزار من أضلوا وصدّوا عن سبيل الله مع أوزارهم، وليسألنّ يوم القيامة عما كانوا يكذّبونهم في الدنيا بوعدهم إياهم الأباطيل، وقيلهم لهم: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم فيفترون الكذب بذلك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون} قال بعضهم: افتراؤهم اتخاذهم الأصنام آلهة، إذ يكون الافتراء في العمل والقول جميعا... أو تسميتهم الأصنام التي عبدوها آلهة، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
... معناه إنهم يسألون سؤال تعنيف وتوبيخ وتبكيت وتقريع، لا سؤال استعلام كسؤال التعجيز في الجدل، كقولك للوثني ما الدليل على جواز عبادة الأوثان، وكما قال تعالى:"هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين".
في الذي كانوا يفترونه يحتمل ثلاثة أوجه أحدها: كان قولهم: {ولنحمل خطاياكم} صادرا لاعتقادهم أن لا خطيئة في الكفر، ثم يوم القيامة يظهر لهم خلاف ذلك فيسألون عن ذلك الافتراء.
وثانيها: أن قولهم: {ولنحمل خطاياكم} كان عن اعتقاد أن لا حشر، فإذا جاء يوم القيامة ظهر لهم خلاف ذلك فيسألون ويقال لهم أما قلتم أن لا حشر.
وثالثها: أنهم لما قالوا إن تتبعونا نحمل يوم القيامة خطاياكم، يقال لهم فاحملوا خطاياهم فلا يحملون فيسألون ويقال لهم لم افتريتم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان للسؤال على طريق الازدراء والإذلال، من الرعب في القلب ما ليس للأفعال قال: {وليسألن} أي من كل من أمره المولى بسؤالهم {يوم القيامة} أي الذي هم به مكذبون، وله مستهينون والتأكيد إما لإنكارهم ذلك اليوم، أو لظن أن العالم لا يسأل عما يعلمه، {عما كانوا} أي بغاية الرغبة {يفترون} أي يتعمدون كذبه، ويُعملون أفكارهم في ارتكابه ويواظبون عليه، والتعبير بصيغة الافتعال يدل على أنهم كانوا يعلمون صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ويتعمدون الكذب في وعدهم لمن غروه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
بعد أن كذبهم في قولهم {ولنحمل خطاياكم} وكشف كيدهم بالمسلمين عطف عليه ما أفاد أنهم غير ناجين من حمل تبعات لأقوام آخرين وهم الأقوام الذين أضلوهم وسوَّلوا لهم الشرك والبهتان على وجه التأكيد بحملهم ذلك. فذِكر الحمل تمثيل. والأثقال مجاز عن الذنوب والتبعات. وهو تمثيل للشقاء والعناء يوم القيامة بحال الذي يحمل متاعه وهو موقر به فيزاد حمل أمتعة أناس آخرين.
وقد علم من مقام المقابلة أن هذا حمل تثقيل وزيادة في العذاب وليس حملاً يدفع التبعة عن المحمول عنه، وأن الأثقال المحمولة مع أثقالهم هي ذنوب الذين أضلوهم وليس من بينها شيء من ذنوب المسلمين لأن المسلمين سالمون من تضليل المشركين بما كشف الله لهم من بهتانهم.
وجملة {وليسألُنّ يوم القيامة عما كانون يفترون} تذييل جامع لمؤاخذتهم بجميع ما اختلقوه من الإفك والتضليل سواء ما أضلوا به أتباعهم وما حاولوا به بتضليل المسلمين فلم يقعوا في أشراكهم، وقد شمل ذلك كله لفظ الافتراء، كما عبر عن محاولتهم تغرير المسلمين بأنهم فيه كاذبون.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
التخطيط لعمل ما ـ أو لمنهج ما ـ في المنطق الإسلامي له أثرهُ.. ويحمل صاحبه المسؤولية عنه ـ شاء أم أبى ـ ويكون مشاركاً للآخرين الذين يعملون بما خططه وسنّه، لأنّ أسباب العمل هي من مقدمات العمل، ونعرف أن كل شخص يكون دخيلا في مقدمة عمل إنسان آخر فهو شريكه أيضاً، فحتى لو كانت المقدمة بسيطة، إلاّ أن ذلك الشخص شريك مع ذي المقدمة.