{ 4 - 6 ْ } { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ* قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب ، ثم ذكر هذه القصة وبسطها ، وذكر ما جرى فيها ، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة ، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كذب ، فهو مستدرك على الله ، ومكمل لشيء يزعم أنه ناقص ، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا ، فإن تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير ، من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى بشيء كثير .
فعلى العبد أن يفهم عن الله ما قصه ، ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ينقل .
فقوله تعالى : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ ْ } يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام : { يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ْ } فكانت هذه الرؤيا مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام من الارتفاع في الدنيا والآخرة .
وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأمور العظام قدم بين يديه مقدمة ، توطئة له ، وتسهيلا لأمره ، واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق ، لطفا بعبده ، وإحسانا إليه ، فأوَّلها يعقوب بأن الشمس : أمه ، والقمر : أبوه ، والكواكب : إخوته ، وأنه ستنتقل به الأحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له ، ويسجدون له إكراما وإعظاما ، وأن ذلك لا يكون إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له ، واصطفائه له ، وإتمام نعمته عليه بالعلم والعمل ، والتمكين في الأرض .
وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب ، الذين سجدوا له وصاروا تبعا له فيها ، ولهذا قال :
العامل في { إذ } فعل مضمر تقديره : اذكر { إذ } ويصح أن يعمل فيه { نقص } [ يوسف : 3 ] كأن المعنى : نقص عليك الحال { إذ }{[6556]} وحكى مكي أن العامل فيه { لمن الغافلين } [ يوسف : 3 ] ، وهذا ضعيف .
وقرأ طلحة بن مصرف «يؤسَف » بالهمز وفتح السين - وفيه ست لغات : «يُوسُف » بضم الياء وسكون الواو وبفتح السين وبضمها وبكسرها وكذلك بالهمز . وقرأ الجمهور «يا أبتِ » بكسر التاء حذفت الياء من أبي وجعلت التاء بدلاً منها ، قاله سيبويه ، وقرأ ابن عامر وحده{[6557]} وأبو جعفر والأعرج : «يا أبتَ » بفتحها ، وكان ابن كثير وابن عامر يقفان بالهاء ؛ فأما قراءة ابن عامر بفتح التاء فلها وجهان : إما أن يكون : «يا أبتا » ، ثم حذفت الألف تخفيفاً وبقيت الفتحة دالة على الألف ، وإما أن يكون جارياً مجرى قولهم : يا طلحة أقبل ، رخموه ثم ردوا العلامة ولم يعتد بها بعد الترخيم ، وهذا كقولهم : اجتمعت اليمامة ثم قالوا : اجتمعت أهل اليمامة ، فردوا لفظة الأهل ولم يعتدوا بها ، وقرأ أبو جعفر والحسن وطلحة بن سليمان : «أحد عْشر كوكباً » بسكون العين لتوالي الحركات ، ويظهر أن الاسمين قد جعلا واحداً .
وقيل : إنه قد رأى كواكب حقيقة والشمس والقمر فتأولها يعقوب إخوته وأبويه ، وهذا قول الجمهور ، وقيل : الإخوة والأب والخالة لأن أمه كانت ميتة ، وقيل إنما كان رأى إخوته وأبويه فعبر عنهم بالكواكب والشمس والقمر ، وهذا ضعيف ترجم به الطبري ، ثم أدخل عن قتادة والضحاك وغيرهما كلاماً محتملاً أن يكون كما ترجم وأن يكون مثل قول الناس ، وقال المفسرون : { القمر } تأويله : الأب ، و { الشمس } تأويلها : الأم ، فانتزع بعض الناس من تقديمها وجوب بر الأم وزيادته على بر الأب ، وحكى الطبري عن جابر بن عبد الله أن يهودياً يسمى بستانة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أخبرني عن أسماء الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام ، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل عليه السلام فأخبره بأسمائها ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي ، فقال : «هل أنت مؤمن إن أخبرتك بذلك ؟ قال : نعم ، قال : حربان ، والطارق ، والذيال ، وذا الكنفان ، وقابس ، ووثاب ، وعمودان والفيلق ، والمصبح ، والضروح ، وذو الفرغ ، والضياء ، والنور{[6558]} » فقال اليهودي : أي والله إنها لأسماؤها{[6559]} .
وتكرر { رأيتهم } لطول الكلام{[6560]} وجرى ضمائر هذه الكواكب في هذه الآية مجرى ضمائر من يعقل إنما كان لما وصفت بأفعال هي خاصة بمن يعقل{[6561]} .
وروي أن رؤيا يوسف كانت ليلة القدر ليلة جمعة ، وأنها خرجت بعد أربعين سنة ، وقيل : بعد ثمانين سنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.