تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ } وذلك بخلق مادتكم وأبيكم آدم عليه السلام . { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا } أي : ضرب لمدة إقامتكم في هذه الدار أجلا ، تتمتعون به وتمتحنون ، وتبتلون بما يرسل إليكم به رسله . { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } ويعمركم ما يتذكر فيه من تذكر . { وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } وهي : الدار الآخرة ، التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار ، فيجازيهم بأعمالهم من خير وشر .

{ ثُمَّ } مع هذا البيان التام وقطع الحجة { أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } أي : تشكون في وعد الله ووعيده ، ووقوع الجزاء يوم القيامة .

وذكر الله الظلمات بالجمع ، لكثرة موادها وتنوع طرقها . ووحد النور لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة لا تعدد فيها ، ، وهي : الصراط المتضمنة للعلم بالحق والعمل به ، كما قال تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم . . المعنى خلق آدم من طين والبشر من آدم فلذلك قال : { خلقكم من طين } وحكى المهدوي عن فرقة أنها قالت بل المعنى أن النطفة التي يخلق منها الإنسان أصلها من طين ثم يقلبها الله نطفة ، وذكره مكي والزهراوي ، والقول الأول أليق بالشريعة لأن القول الثاني إنما يترتب على قول من يقول بأن الطين يرجع بعد التولد والاستحالات الكثيرة نطفة ، وذلك مردود عند الأصوليين ، واختلف المفسرون في هذين الأجلين ، فقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة والضحاك ، { أجلاً } أجل الإنسان من لدن ولادته إلى موته ، والأجل المسمى عنده من وقت موته إلى حشره ، ووصفه بمسمى عنده لأنه استأثر بعلم وقت القيامة ، وقال ابن عباس : { أجلاً } ، الدنيا ، { أجل مسمى } الآخرة ، وقال مجاهد : { أجلاً } الآخرة ، { وأجل مسمى } ، الدنيا بعكس الذي قبله ، وقال ابن عباس أيضاً : { أجلاً } ، وفاة الإنسان بالنوم ، { وأجل مسمى } وفاته بالموت وقال ابن زيد ، الأجل الأول هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم ، وبقي «أجل » واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا ، وحكى المهدوي عن فرقة { أجلاً } ، ما عرف الناس من آجال الأهلة والسنين والكوائن ، { وأجل مسمى } قيام الساعة ، وحكي أيضاً عن فرقة { أجلاً } مسمى{[4819]} : ما عرفناه من أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، { وأجل مسمى } الآخرة .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وينبغي أن تتأمل لفظة { قضى } في هذه الآية فإنها تحتمل معنيين ، فإن جعلت بمعنى قدر وكتب ورجعت إلى سابق علمه وقدره فيقول إن ذلك ولا بد قبل خلقه آدم من طين ، وتخرج ثم من معهودها في ترتيب زمَنْي وقوع القصتين ويبقى لها ترتيب زمَني الإخبار عنه ، كأنه قال : أخبركم أنه خلقكم من طين ثم أخبركم أنه قضى أجلاً ، وإن جعلت { قضى } بمعنى أوجد وأظهر ويرجع ذلك إلى صفة فعل فيصح أن يكون خلق آدم من طين قبل إظهار هذا الأجل وإبدائه ، وتكون [ ثم ] على بابها في ترتيب زمَنْي وقوع القضيتين . و { تمترون } معناه : تشكون ، والمرية : الشك{[4820]} .

وقوله : { ثم أنتم } على نحو قوله : { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } في التوبيخ على سوء الفعل بعد مهلة من وضوح الحجج .


[4819]:-هكذا بالنسخ التي بين أيدينا- ولفظة [مسمى] ليس لها موضع هنا لعلها من زيادة النساخ، وكلمة [مسمى] معناها: معلوم، و[عنده] يعني مذكور في اللوح المحفوظ، أو هي مجاز عن علمه ولا يراد المكان.
[4820]:- من التماري على مذهب الشك قوله تعالى: {أفتمارونه على ما يرى}.