{ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ْ } أن يفعل الله بهم من النكال ، ويحل بهم من العقاب ، قال تعالى : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ْ } .
{ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ْ } كثير ، وذو إحسان جزيل ، وَلَكِنَّ أكثر الناس لا يشكرون ، إما أن لا يقوموا بشكرها ، وإما أن يستعينوا بها على معاصيه ، وإما أن يحرموا منها ، ويردوا ما منَّ الله به على عباده ، وقليل منهم الشاكر الذي يعترف بالنعمة ، ويثني بها على الله ، ويستعين بها على طاعته .
ويستدل بهذه الآية على أن الأصل في جميع الأطعمة الحل ، إلا ما ورد الشرع بتحريمه ، لأن الله أنكر على من حرم الرزق الذي أنزله لعباده .
{ وما ظن الذين يفترون على الله الكذب } أي شيء ظنهم . { يوم القيامة } أيحسبون أن لا يجازوا عليه ، وهو منصوب بالظن ويدل عليه أنه قرئ بلفظ الماضي لأنه كائن ، وفي إبهام الوعيد تهديد عظيم { إن الله لذو فضل على الناس } حيث أنعم عليهم بالعقل وهداهم إرسال الرسل وإنزال الكتب . { ولكن أكثرهم لا يشكرون } هذه النعمة .
وقوله { وما ظن الذين يفترون على الله } الآية ، وعيد ، لما تحقق عليهم ، بتقسيم الآية التي قبلها ، أنهم مفترون على الله ، عظم في هذه الآية جرم الافتراء ، أي ظنهم في غاية الرداءة بحسب سوء أفعالهم ، ثم ثنى بإيجاب الفضل على الناس في الإمهال لهم مع الافتراء والعصيان : والإمهال داعية إلى التوبة والإنابة ، ثم استدرك ذكر من لا يرى حق الإمهال ولا يشكره ولا يبادر به فيه على جهة الذم لهم ، والآية بعد هذا تعم جميع فضل الله وجميع تقصير الخلق في شكره ، لا رب غيره .
عطف على { جملة قل أرأيتم } [ يونس : 59 ] ، فهو كلام غير داخل في القول المأمور به ، ولكنه ابتداء خطاب لجميع الناس . و { ما } للاستفهام . والاستفهام مستعمل في التعجيب من حالهم . والمقصود به التعريض بالمشركين ليستفيقوا من غفلتهم ويحاسبوا أنفسهم .
ولذلك كان مقتضى الظاهر أن يؤتى بضمير ( هم ) مضافاً إليه الظن إما ضميرَ خطاب أو غيبة . فيقال : وما ظنكم أو وما ظنهم ، فعدل عن مقتضى الظاهر إلى الإتيان بالموصول بالصلة المختصة بهم للتنبيه على أن الترْديد بين أن يكون الله أذن لهم فيما حرَّموه وبين أن يكونوا مفترين عليه قد انحصر في القسم الثاني ، وهو كونهم مفترين إذ لا مساغ لهم في ادعاء أنه أذن لهم ، فإذ تعين أنهم مفترون فقد صار الافتراء حالهم المختص بهم . وفي الموصول إيذان بعلة التعجيب من ظنهم بأنفسهم يوم القيامة .
وحذف مفعولا الظن لقصد تعميم ما يصلح له ، أي ما ظنهم بحالهم وبجزائهم وبأنفسهم . وانتصب { الكذبَ } على المفعول المطلق ، واللام فيه لتعريف الجنس ، كأنه قيل كذباً ، ولكنه عرف لتفظيع أمره ، أي هو الكذب المعروف عند الناس المستقبح في العقول .
و { يوم القيامة } منصوب على الظرفية وعامله الظن ، أي ما هو ظنهم في ذلك اليوم أي إذا رأوا الغضب عليهم يومئذٍ ماذا يكون ظنهم أنهم لاقون ، وهذا تهويل .
وجملة : { إن الله لذو فضل على الناس } تذييل للكلام المفتتح بقوله : { يأيها الناس قد جاءتكم موْعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور } [ يونس : 57 ] . وفيه قطع لعذر المشركين ، وتسجيل عليهم بالتمرد بأن الله تفضل عليهم بالرزق والموعظة والإرشاد فقابلوا ذلك بالكفر دون الشكر وجعلوا رزقهم أنهم يكذبون في حين قابله المؤمنون بالفرح والشكر فانتفعوا به في الدنيا والآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.