اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَشۡكُرُونَ} (60)

قوله : { وَمَا ظَنُّ الذين يَفْتَرُونَ } : " ما " مبتدأة استفهامية ، و " ظَنَّ " خبرها ، و " يَوْمَ " منصوبٌ بنفس الظنِّ ، والمصدر مضافٌ لفاعله ، ومفعولا الظن محذوفان ، والمعنى : وأيُّ شيءٍ يظُنُّ الذين يفترون يوم القيامة أنِّي فاعلٌ بهم : أأنجيهم من العذاب ، أم أنتقمُ منهم ؟ وقيل : أيحْسَبُون أنَّ الله لا يؤاخذهم به ، ولا يعاقبهم عليه ، والمراد منه : تعظيم وعيد من يفتري ، وقرأ عيسى بن{[18508]} عمر : " وما ظَنَّ الذين " جعله فعلاً ماضياً ، والموصولُ فاعله ، و " ما " على هذه القراءة استفهاميَّة أيضاً في محلِّ نصب على المصدر ، وقُدِّمتْ لأنَّ الاستفهام لهُ صدرُ الكلام ، والتقدير : أيَّ ظنَّ ظَنَّ المفترون ، و " مَا " الاستفهاميَّةُ قد تنُوبُ عن المصدرِ ؛ ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]

مَاذَا يَغِيرُ ابْنَتَيْ رَبْعٍ عوِيلُهُمَا *** لا تَرْقُدان ولا بُؤسى لِمَنْ رَقَدَا{[18509]}

وتقول : " ما تَضْرب زَيْداً " ، تريد : أيَّ ضربٍ تضربه ، قال الزمخشريُّ : " أتى به فعلاً ماضياً ؛ لأنَّه واقعٌ لا محالة ، فكأنَّهُ قد وقع وانقضى " . وهذا لا يستقيم هنا ؛ لأنَّه صار نصّاً في الاستقبال لعمله في الظرف المستقبل ، وهو يومُ القيامة ، وإن كان بلفظ الماضي ، ثم قال : { إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس } بإعطاء العقل ، وإرسال الرُّسُل ، { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } لا يستعملُون العقل في تأمل دلائل الله ، ولا يقبلون دعوة أنبياءِ الله ، ولا ينتفعُون باستماع كلام الله .


[18508]:ينظر: الكشاف 2/354، البحر المحيط 5/171، الدر المصون 4/47.
[18509]:تقدم.