الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَشۡكُرُونَ} (60)

قوله تعالى : { وَمَا ظَنُّ } : " ما " مبتدأةٌ استفهامية ، و " ظنُّ " خبرُها ، و " يومَ " منصوبٌ بنفس الظن ، والمصدرُ مضافٌ لفاعلِه ، ومفعولا الظن محذوفان ، والمعنى : وأيُّ شيءٍ يَظُنُّ الذين يَفْترون يومَ القيامة أني فاعلٌ بهم أَأُنجيهم من العذاب أم أنتقمُ منهم ؟

وقرأ عيسى بن عمر : " وما ظَنَّ الذين " جَعَلَه فعلاً ماضياً والموصولُ فاعلُه ، و " ما " على هذه القراءة استفهاميةٌ أيضاً في محلِّ نصبٍ على المصدرِ ، وقُدّمَتْ لأنَّ الاستفهامَ له صدرُ الكلام والتقدير : أيَّ ظنٍ ظنَّ المفترون ، و " ما " الاستفهاميةُ قد تَنُوب عن المصدر ، ومنه قول الشاعر :

2603 - ماذا يَغيرُ ابنَتْي رَبْعٍ عويلُهما *** لا تَرْقُدان ولا بؤسى لمَنْ رَقَدا

وتقول : " ما تَضْرب زيداً " ، تريد : أيَّ ضربٍ تَضْربه . قال الزمخشري : أتى به فعلاً ماضياً ، لأنه واقعٌ لا محالةَ ، فكأنه قد وقع وانقضى " وهذا لا يستقيمُ هنا لأنه صار نصاً في الاستقبال لعملهِ في الظرف المستقبل وهو يومُ القيامة ، وإن كان بلفظ الماضي .