تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

{ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ } أي : ليسوا فائتين الله ، لأنهم تحت قبضته وفي سلطانه .

{ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ } فيدفعون عنهم المكروه ، أو يحصلون لهم ما ينفعهم ، بل تقطعت بهم الأسباب .

{ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ } أي : يغلظ ويزداد ، لأنهم ضلوا بأنفسهم وأضلوا غيرهم .

{ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ } أي : من بغضهم للحق ونفورهم عنه ، ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا آيات الله سماعا ينتفعون به { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } { وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } أي : ينظرون نظر عبرة وتفكر ، فيما ينفعهم ، وإنما هم كالصم البكم الذين لا يعقلون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

{ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض } أي ما كانوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم . { وما كان لهم من دون الله من أولياء } يمنعونهم من العقاب ولكنه أخر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون اشد وأدوم . { يُضاعف لهم العذاب } استئناف وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب " يُضَّعْفَ " بالتشديد . { ما كانوا يستطيعون السّمع } لتصامهم عن الحق وبغضهم له . { وما كانوا يُبصِرون } لتعاميهم عن آيات الله ، وكأنه العلة لمضاعفة العذاب . وقيل هو بيان ما نفاه من ولاية الآلهة بقوله : { وما كان لهم من دون الله من أولياء } فإن ما لا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية وقوله : { يضاعف لهم العذاب } اعتراض .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

و { معجزين } معناه : مفلتين لا يقدر عليهم . وخص ذكر { الأرض } لأن تصرف ابن آدم وتمتعه إنما هو فيها وهي قصاراه ، لا يستطيع النفوذ منها . وقوله : { وما كان لهم من دون الله من أولياء } يحتمل معنيين :

أحدهما : أن نفي أن يكون لهم ولي أو ناصر كائناً من كان .

والثاني : أن يقصد وصف الأصنام والآلهة بأنهم لم يكونوا أولياء حقيقة ، وإن كانوا هم يعتقدون أنهم أولياء .

ثم أخبر أنهم يضاعف لهم العذاب يوم القيامة ، أي يشدد حتى يكون ضعفي ما كان . و { يضاعف } فعل مستأنف وليس بصفة .

وقوله : { وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون } يحتمل خمسة أوجه :

أحدها : أن يصف هؤلاء الكفار بهذه الصفة على معنى أن الله ختم عليهم بذلك ، فهم لا يسمعون سماعاً ينتفعون به ولا يبصرون كذلك .

والثاني : أن يكون وصفهم بذلك من أجل بغضتهم في النبي صلى الله عليه وسلم فهم لا يستطيعون أن يحملوا أنفسهم على السمع منه والنظر إليه وينظر إلى هذا حشو الطفيل بن عمرو أذنيه بالكرسف{[6294]} ، وإباية قريش وقت الحديبية أن يسمعوا ما نقل إليهم من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ردهم عن ذلك مشيختهم .

والثالث : أن يكون وصف بذلك الأصنام والآلهة التي نفى عنها - على التأويل المقدم - أن تكون أولياء .

و { ما } في هذه الوجوه نافية .

والرابع : أن يكون التقدير : يضاعف لهم العذاب بما كانوا : بحذف الجار{[6295]} ، وتكون { ما } مصدرية ، وهذا قول فيه تحامل . قاله الفراء ، وقرنه بقوله : أجازيك ما صنعت بي .

والخامس : أن تكون { ما } ظرفية ، يضاعف لهم مدة استطاعتهم السمع والبصر ، وقد أعلمت الشريعة أنهم لا يموتون فيها أبداً فالعذاب ، - إذن - متماد أبداً .

وقدم { السمع } في هذه الآية على «البصر » لأن حاسته أشرف من حاسة البصر ، إذ عليه تبنى في الأطفال معرفة دلالات الأسماء ، وإذ هو كاف في أكثر المعقولات دون البصر إلى غير ذلك .


[6294]:- الكُرسف: القطن.
[6295]:-والعرب تقول: جزيته ما فعل، وبما فعل، فيحذفون الباء مرة ويثبتونها أخرى، وأنشد سيبويه قول عمرو بن معديكرب: آمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب أراد: "أمرتك بالخير" فحذف ووصل الفعل ونصب، والنشب: المال الثابت كالضياع ونحوها: وقيل: جميع المال، فيكون عطفه على الأول من قبيل المبالغة والتأكيد (شواهد سيبويه).