تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

وقوله تعالى : ( أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ ) [ يحتمل وجهين :

أحدهما ][ في الأصل وم : أي ] : أولئك لم يكونوا معجزي الله في الدنيا في أن يغلبهم ، وينتقم منهم ، إن شاء .

والثاني : أولئك لم يكونوا سابقي الله في الآخرة في دفع العذاب عن أنفسهم .

وجائز أن تكون الآية في الأئمة منهم والجبابرة ؛ يخبر أنهم غير معجزي الله في ما يريد منهم من التعذيب لهم .

وقوله تعالى : ( وما كان من دون الله من أولياء ) هم حسبوا أن أولئك الذي عبدوا دون الله يكونون لهم أولياء لأنهم /238-أ/ يقولون : ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله )[ يونس : 18 ] ، ويقولون[ في الأصل وم : و ] : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )[ الزمر : 3 ] كانوا يطمعون في شفاعة الأصنام التي يعبدونها ، والذين اتبعوهم يكونون لهم أولياء ، فأخبر أن ليس لهم أولياء على [ ما ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ظنوا ، وحسبوا ، بل يكونون لهم أعداء كقوله : ( وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء )الآية[ الأحقاف : 6 ] وأمثاله كثير كقوله[ في الأصل وم : وكقوله ] : ( ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا )[ العنكبوت : 25 ] وكقوله : ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا )[ مريم : 81 ] أي لم يكن لهم ما طمعوا ، وكقوله[ في الأصل وم : وقوله ] : ( كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا )[ مريم : 82 ] صاروا لهم أعداء على ما ذكر .

ويحتمل ( وما كان لهم من دون الله من أولياء ) أي ما لا ينفعهم ولاية من اتخذوا أولياء كقوله : ( فمما تنفعهم شفاعة الشافعين )[ المدثر : 48 ] ونحوه .

وقوله تعالى : ( يضاعف لهم العذاب ) يدل على أن قوله : ( الذين يصدون عن سبيل الله )[ هود : 19 ] في الأئمة الذين صرفوا الناس عن دين الله لأنه أخبر أنه ( يضاعف لهم العذاب ) وهو يحتمل وجهين :

أحدهما : لما ضلوهم بأنفسهم ، والآخر لما صرفوا الناس عن دين الله .

وقوله تعالى : ( مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ ) قال المعتزلة : فيه وجهان[ في الأصل وم : وجهين ] :

أحدهما : أنهم كانوا يسمعون ، ويبصرون ، لكنهم قالوا : لا يستطيعون السمع ، ولا يبصرون استثقالا منهم لذلك ، وهو كما يقول [ القائل ][ ساقطة من الأصل وم ] : ما أستطيع أن أنظر إلى فلان ، ولا أسمع كلامه ، وهو ناظر إليه ، سامع كلامه . فعلى ذلك الأول ؛ كانوا يسمعون ، ويبصرون ، لكنهم كانوا يستثقلون السمع والنظر إليهم [ فنفى عنهم ][ في الأصل وم : فنفاهم ] ذلك .

والثاني : كانوا لا يستطيعون السمع ؛ أي كانوا كأنهم لا يستطيعون السمع ، ولا النظر ، وهو ما أخبر ( صم بكم عمي )[ البقرة : 18و171 ] كانوا يتصامون [ ويتعامون عن ][ ي م : ويتعامون ، ساقطة من الأصل ] الحق .

وأما عندنا فالجواب[ في الأصل وم : الجواب ] للتأويل : الأول : أنهم لا يستطيعون السمع وكانوا يبصرون . السماع سماع الرحمة ، والنظر إليه بعين الرحمة والقبول . فهم من ذلك الوجه كانوا لا يستطيعون .

والثاني : يحتمل سمع القلب وبصر القلب ، وهم كانوا لا يستطيعون السمع سمع القلب وبصر القلب كقوله : ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )[ الحج : 46 ] .

وهذه الاستطاعة عندنا هي استطاعة الفعل لا استطاعة الأحوال ؛ إذ جوارحهم كانت سليمة صحيحة . فدل أنها الاستطاعة التي يكون بها الفعل لما ذكرنا .

وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه ( يضاعف لهم العذاب ) بما كانوا يستطيعون السمع . ثم سئل الحسن عن ذلك ، فقال : هو قول الله : ( الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا )[ الكهف : 101 ] إذا سمعوا الوحي تقنعوا في ثيابهم ، فلم يستطيعوا احتمال ذلك .

وفي حرف حفصة : وما كانوا يستطيعون السمع بالواو . وأما في حرف ابن مسعود فظاهر[ الفاء ساقطة من الأصل وم ] تأويله : ( يضاعف لهم العذاب ) بما كانوا يستطيعون السمع ، فلم يسمعوا عنادا وإبطالا .

وأصله : ما كانوا يستطيعون السمع المكتسب والبصر المكتسب عندنا . وما ذكر من السمع والبصر هو السمع المكتسب والبصر المكتسب لأن سمع الآخرة وحياتها مكتسبان[ من م ، في الأصل : مكتسبة ] ، وحياة الدنيا والسمع والبصر [ فيها ][ ساقطة من الأصل وم ] مخلوقة .