{ 35 ْ } { وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ْ }
أي : احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله ، وأن الله لو شاء ما أشركوا ، ولا حرموا شيئا من [ الأنعام ] التي أحلها كالبحيرة والوصيلة والحام ونحوها من دونه ، وهذه حجة باطلة ، فإنها لو كانت حقا ما عاقب الله الذين من قبلهم حيث أشركوا به ، فعاقبهم أشد العقاب . فلو كان يحب ذلك منهم لما عذبهم ، وليس قصدهم بذلك إلا رد الحق الذي جاءت به الرسل ، وإلا فعندهم علم أنه لا حجة لهم على الله .
فإن الله أمرهم ونهاهم ومكنهم من{[459]} القيام بما كلفهم وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر عنها أفعالهم . فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من أبطل الباطل ، هذا وكل أحد يعلم بالحس قدرة الإنسان على كل فعل يريده من غير أن ينازعه منازع ، فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسله وتكذيب الأمور العقلية والحسية ، { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ْ } أي : البين الظاهر الذي يصل إلى القلوب ، ولا يبقى لأحد على الله حجة ، فإذا بلغتهم الرسل أمر ربهم ونهيه ، واحتجوا عليهم بالقدر ، فليس للرسل من الأمر شيء ، وإنما حسابهم على الله عز وجل .
{ وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه من شيء } إنما قالوا ذلك استهزاء أو منعا للبعثة والتكليف متمسكين بأن ما شاء الله يجب وما لم يشأ يمتنع فما الفائدة فيها ، أو إنكارا لقبح ما أنكر عليهم من الشرك وتحريم البحائر ونحوها محتجين بأنها لو كانت مستقبحة لما شاء الله صدورها عنهم ولشاء خلافه ، ملجئا إليه لا اعتذارا إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم ، وفيما بعده تنبيه على الجواب عن الشبهتين . { كذلك فعل الذين من قبلهم } فأشركوا بالله وحرموا حله وردوا رسله . { فهل على الرّسل إلا البلاغ المبين } إلا الإبلاغ الموضح للحق وهو لا يؤثر في هدى من شاء الله هداه لكنه يؤدي إليه على سبيل التوسط ، وما شاء الله وقوعه إنما يجب وقوعه لا مطلقا بل بأسباب قدرها له .
وقوله تعالى : { وقال الذين أشركوا } الآية ، جدل من الكفار ، وذلك أن أكثر الكفار يعتقدون وجود الله تعالى وأنه خالقهم ورازقهم ، فإن كان أهل هذه الآية من هذا الصنف فكأنهم قالوا يا محمد : نحن من الله بمرىء في عبادة الأوثان لتنفع وتقرب زلفى ، ولو كره الله فعلنا لغيره منذ مدة ، إما بإهلاكنا وإما بهدايتنا ، وكان من الكفار فريق لا يعتقد وجود الله تعالى ، فإن كان أهل هذه الآية من هذا الصنف فكأنهم أخذوا الحجة على النبي صلى الله عليه وسلم من قوله ، أي إن الرب الذي تثبته يا محمد وهو على ما تصفه يعلم ويقدر لا شك أنه يعلم حالنا ، ولو كرهها لغيرها ، والرد على هذين الفريقين هو في أن الله تعالى ينهى عن الكفر وقد أراده بقوم ، وإنما نصب الأدلة وبعث الرسل ويسر كلًّ لما حتم عليه ، وهذا الجدال من أي الصنفين فرضته ليس فيه استهزاء ، لكن أبا إسحاق الزجاج : قال إن هذا الكلام على جهة الهزء ، فذهب أبو إسحاق رحمه الله والله أعلم إلى أن الطائفة التي لا تقول بإله ثم أقامت الحجة من مذهب خصمها كأنها مستهزئة في ذلك ، وهذا جدل محض ، والرد عليه كما ذكرناه وقوله { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } يشير إلى ما ذكرناه ، وقولهم { ولا حرمنا } يريدون البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك مما شرعوه ، وأخبر الله تعالى أن هذه النزعة قد سبقهم الأولون من الكفار إليها ، كأنه قال : والأمر ليس على ما ظنوه من أن الله تعالى إذا أراد الكفر لا يأمر بتركه ، بل قد نصب الله لعباده الأدلة وأرسل الرسل منذرين وليس عليهم إلا البلاغ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.