فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖ نَّحۡنُ وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (35)

{ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( 35 ) }

{ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ } هذا نوع آخر من كفرهم الذي حكاه الله تعالى عنهم والمراد بالذين أشركوا هنا أهل مكة { لَوْ شَاء اللّهُ } عدم عبادتنا لشيء غيره { مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } أي لحصل ذلك ، جئت أو لم تجئ ، ولو شاء منا الكفر لحصل جئت أو لم تجئ ، وإذا كان كذلك فالكل من عند الله فلا فائدة في بعثة الرسل إلى الأمم ، ومن الأولى بيانية والثانية زائدة لتأكيد الاستغراق .

{ نَّحْنُ } تأكيد لضمير عبدنا لا لتصحيح العطف لوجود الفواصل وإن كان محسنا له { وَلا آبَاؤُنَا } الذين كانوا على ما نحن عليه الآن من الكفر والشرك بالله .

قال الزجاج : إنهم قالوا هذا على وجه الاستهزاء ، ولو قالوه عن اعتقاد لكانوا مؤمنين . انتهى . وقد مضى الكلام على مثل هذا في سورة الأنعام .

{ وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } من السوائب والوصائل والبحائر ونحوها ومقصودهم بهذا القول المعلق بالمشيئة الطعن في الرسالة ، أي لو كان ما قاله الرسول حقا من المنع من عبادة غير الله والمنع من تحريم ما لم يحرمه الله حاكيا ذلك عن الله لم يقع منا ما يخالف ما أراده منا فأنه قد شاء الله ذلك وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ؛ فلما وقع منا العبادة لغيره وتحريم ما لم يحرمه ، كان ذلك دليلا على أن ذلك هو المطابق لمراده والموافق لمشيئته ، مع أنهم في الحقيقة لا يعترفون بذلك ولا يقرون به ، لكنهم قصدوا ما ذكرنا من الطعن على الرسل ، والظاهر أن من الأولى والثانية ههنا زائدتان ، أي ولا حرمنا شيئا حال كوننا دونه أي دون الله ، أي مستقلين بتحريمه . قاله الحفناوي .

{ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من طوائف الكفر فإنهم أشركوا بالله وحرموا ما لم يحرمه وجادلوا رسلهم بالباطل واستهزؤوا بهم ثم قال { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ } الذين يرسلهم الله إلى عباده بما شرعه لهم من الشرائع التي رأسها توحيده وترك الشرك به { إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِين } إلى من أرسلوا إليهم ، بما أمروا بتبليغه بلاغا واضحا يفهمه المرسل إليهم ولا يلتبس عليهم والبلاغ مصدر بمعنى الإبلاغ