اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖ نَّحۡنُ وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (35)

قوله تعالى : { وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا } الآيات .

هذه شبهة ثالثة لمنكري النبوة لأنهم تمسكوا بالقول بالجبر على الطَّعن في النبوة ؛ فقالوا : لو شاء الله الإيمان ، لحصل لنا سواء جئت ، أو لم تجئ ، ولو شاء الكفر لحصل الكفر ، جئت أو لم تجئ ، فالكلُّ من الله ، ولا فائدة في مجيئك ولا في إرسالك وهذا غير ما حكاه الله عنهم في سورة الأنعام في قوله : { سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ } [ الأنعام : 148 ] .

واستدلال المعتزلة به ، مثل استدلالهم بتلك الآية ، والكلام فيه استدلال واعتراض عين ما تقدم هناك ، فلا فائدة ، ولا بأس بأن نذكر منه القليل ، فنقول : الجواب عن هذه الشبهة هي : أنَّهم قالوا : لما كان الكل من الله - تعالى - كانت بعثة الأنبياء عبثاً ؛ فنقول : هذا اعتراضٌ - على الله - تعالى فإن قولهم : إذا لم يكن في بعثة الرسول مزيد فائدة في حصول الإيمان ، ودفع الكفر ؛ كانت بعثة الأنبياءِ غير جائزة من الله - تعالى- .

فهذا القول جارٍ مجرى طلب العلةِ في أحكام الله - تعالى - وفي أفعاله ، وذلك باطل ؛ بل الله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ولا يعترض عليه في أفعاله .

وقال بعضُ المتكلمين والمفسرين : إنهم ذكروا هذا الكلام استهزاء ؛ كقول قوم شعيبٍ : { إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد } [ هود : 87 ] ولو قالوا ذلك اعتقاداً لكانوا مؤمنين .

قوله : { فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين } قالت المعتزلة : إنه - سبحانه وتعالى - ما منع أحداً من الإيمان ، وما أوقعه في الكفر ، والرسل ليس عليهم إلا التبليغُ .

وأهل السنة قالوا : معناه أنه - تعالى - أمر الرسول بالتبليغ فوجب عليهم ، فأمَّا أن الإيمان هل يحصل ، أو لا يحصل ؟ فذلك لا يتعلق بالرسولِ - صلوات الله وسلامه عليه - ولكنه تعالى يهدي من يشاءُ بإحسانه ، ويضل من يشاء بخذلانه ، ويدل عليه قوله تعالى :