{ وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ } أي أهلُ مكة ، وهو بيانٌ لفن آخرَ من كفرهم والعدولُ عن الإضمار إلى الموصول لتقريعهم بما في حيز الصلة وذمِّهم بذلك من أول الأمر { لَوْ شَاء الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيء } أي لو شاء عدم عبادتِنا لشيء غيرِه كما تقول لما عبدنا ذلك { نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا } الذين نقتدي بهم في ديننا { وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيء } من السوائب والبحائرِ وغيرِها ، وإنما قالوا ذلك تكذيباً للرسول عليه الصلاة والسلام وطعناً في الرسالة رأساً متمسكين بأن ما شاء الله تعالى يجب وما لم يشأْ يمتنع ، فلو أنه شاء أن نوحّده ولا نشرِكَ به شيئاً ولا نحرِّمَ مما حرمنا شيئاً كما يقول الرسلُ وينقُلونه من جهة الله عز وجل لكان الأمرُ كما شاء من التوحيد ونفي الإشراكِ وما يتبعهما ، وحيث لم يكن كذلك ثبت أنه لم يشأ شيئاً من ذلك ، وإنما يقوله الرسل من تلقاء أنفسهم فأجيب عنه بقوله عز وجل : { كذلك } أي مثلَ ذلك الفعلِ الشنيع { فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ } من الأمم ، أي أشركوا بالله وحرموا حِلَّه وردوا رسلَه وجادلوهم بالباطل حين نبهوهم على الخطأ وهدوهم إلى الحق .
{ فَهَلْ عَلَى الرسل } الذين يبلغون رسالاتِ الله وعزائمَ أمره ونهيِه { إِلاَّ البلاغ المبين } أي ليست وظيفتُهم إلا تبليغَ الرسالة تبليغاً واضحاً أو موضَّحاً وإبانةً طريقَ الحق وإظهارَ أحكام الوحي التي من جملتها تحتّمُ تعلقِ مشيئةِ الله تعالى باهتداء مَنْ صَرَف قدرتَه واختيارَه إلى تحصيل الحق لقوله تعالى : { والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } وأما إلجاؤهم إلى ذلك وتنفيذُ قولِهم عليهم شاءوا أو أبَوا كما هو مقتضى استدلالِهم ، فليس ذلك من وظيفتهم ولا من الحكمة التي عليها يدور أمرُ التكليفِ في شيء حتى يُستدلَّ بعدم ظهور آثارِه على عدم حقّية الرسلِ أو على عدم تعلقِ مشيئتِه تعالى بذلك ، فإن ما يترتب عليه الثوابُ والعقابُ من أفعال العباد لا بد في تعلق مشيئتِه تعالى بوقوعه من مباشرتهم الاختياريةِ له وصرفِ اختيارِهم الجزئيِّ إلى تحصيله وإلا لكان الثواب والعقاب اضطراريَّيْن ، فالفاءُ للتعليل كأنه قيل : كذلك فعل أسلافهم وذلك باطل فإن الرسلَ ليس شأنُهم إلا تبليغَ أوامرِ الله تعالى ونواهيه لا تحقيقَ مضمونِهما وإجراءَ موجبهما على الناس قسراً وإلجاءً ، وإيرادُ كلمة ( على ) للإيذان بأنهم في ذلك مأمورون أو بأن ما يبلغونه حقٌّ للناس عليهم وإيفاؤُه . بهذا ظهر أن حملَ قولِهم : { لَوْ شَاء الله } الخ ، على الاستهزاء لا يلائم الجواب والله تعالى أعلم بالصواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.