فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖ نَّحۡنُ وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (35)

{ وَقَالَ الذين أَشْرَكُوا } هذا نوع آخر من كفرهم الذي حكاه الله عنهم . والمراد بالذين أشركوا هنا . أهل مكة { لَوْ شَاء الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيء } أي : لو شاء عدم عبادتنا لشيء غيره ما عبدنا ذلك { نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا } الذين كانوا على ما نحن عليه الآن من دين الكفر والشرك بالله . قال الزجاج : إنهم قالوا هذا على جهة الاستهزاء ، ولو قالوه عن اعتقاد لكانوا مؤمنين . وقد مضى الكلام على مثل هذا في سورة الأنعام { وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْء } من السوائب والبحائر ونحوهما ، ومقصودهم بهذا القول المعلق بالمشيئة : الطعن في الرسالة ، أي : لو كان ما قاله الرسول حقاً من المنع من عبادة غير الله ، والمنع من تحريم ما لم يحرّمه الله حاكياً ذلك عن الله لم يقع منا ما يخالف ما أراده منا فإنه قد شاء ذلك ، وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن ، فلما وقع منا العبادة لغيره وتحريم ما لم يحرمه كان ذلك دليلاً على أن ذلك هو المطابق لمراده والموافق لمشيئته ، مع أنهم في الحقيقة لا يعترفون بذلك ولا يقرّون به لكنهم قصدوا ما ذكرنا من الطعن على الرسل { كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ } من طوائف الكفر ، فإنهم أشركوا بالله وحرّموا ما لم يحرّمه ، وجادلوا رسله بالباطل واستهزءوا بهم ، ثم قال : { فَهَلْ عَلَى الرسل } الذين يرسلهم الله إلى عباده بما شرعه لهم من شرائعه التي رأسها توحيده ، وترك الشرك به { إِلاَّ البلاغ } إلى من أرسلوا إليهم بما أمروا بتبليغه بلاغاً واضحاً يفهمه المرسل إليهم ولا يلتبس عليهم .

/خ40