تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٖ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (260)

ثم قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

وهذا فيه أيضا أعظم دلالة حسية على قدرة الله وإحيائه الموتى للبعث والجزاء ، فأخبر تعالى عن خليله إبراهيم أنه سأله أن يريه ببصره كيف يحيي الموتى ، لأنه قد تيقن ذلك بخبر الله تعالى ، ولكنه أحب أن يشاهده عيانا ليحصل له مرتبة عين اليقين ، فلهذا قال الله له : { أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } وذلك أنه بتوارد الأدلة اليقينية مما يزداد به الإيمان ويكمل به الإيقان ويسعى في نيله أولو العرفان ، فقال له ربه { فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك } أي : ضمهن ليكون ذلك بمرأى منك ومشاهدة وعلى يديك . { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } أي : مزقهن ، اخلط أجزاءهن بعضها ببعض ، واجعل على كل جبل ، أي : من الجبال التي في القرب منه ، جزء من تلك الأجزاء { ثم ادعهن يأتينك سعيا } أي : تحصل لهن حياة كاملة ، ويأتينك في هذه القوة وسرعة الطيران ، ففعل إبراهيم عليه السلام ذلك وحصل له ما أراد وهذا من ملكوت السماوات والأرض الذي أراه الله إياه في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } ثم قال : { واعلم أن الله عزيز حكيم } أي : ذو قوة عظيمة سخر بها المخلوقات ، فلم يستعص عليه شيء منها ، بل هي منقادة لعزته خاضعة لجلاله ، ومع ذلك فأفعاله تعالى تابعة لحكمته ، لا يفعل شيئا عبثا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٖ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (260)

{ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى } إنما سأل ذلك ليصير علمه عيانا ، وقيل لما قال نمروذ أنا أحيي وأميت قال له : إن إحياء الله تعالى برد الروح إلى بدنها ، فقال نمروذ : هل عاينته فلم يقدر أن يقول نعم . وانتقل إلى تقرير آخر ، ثم سأل ربه أن يريه ليطمئن قلبه على الجواب إن سئل عنه مرة أخرى . { قال أو لم تؤمن } بأني قادر على الإحياء بإعادة التركيب والحياة ، قال له ذلك وقد علم أنه أغرق الناس في الإيمان ليجيب بما أجاب به فيعلم السامعون غرضه . { قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } أي بلى آمنت ولكن سألت ذلك لأزيد بصيرة وسكون قلب بمضامة العيان إلى الوحي أو الاستدلال . { قال فخذ أربعة من الطير } قيل طاوسا وديكا وغرابا وحمامة ، ومنهم من ذكر النسر بدل الحمامة وفيه إيماء إلى أن إحياء النفس بالحياة الأبدية إنما يتأتى بإماتة حب الشهوات والزخارف الذي هو صفة الطاوس ، والصولة المشهور بها الديك وخسة النفس وبعد الأمل المتصف بهما الغراب ، والترفع والمسارعة إلى الهوى الموسوم بهما الحمام . وإنما خص الطير لأنه أقرب إلى الإنسان وأجمع لخواص الحيوان والطير مصدر سمي به أو جمع كصحب . { فصرهن إليك } فأملهن واضممهن إليك لتتأملها وتعرف شياتها لئلا تلتبس عليك بعد الإحياء . وقرأ حمزة ويعقوب { فصرهن } بالكسر وهما لغتان قال :

وما صيد الأعناق فيهم حيلة *** ولكن أطراف الرماح تصورها

وقال :

وفرع يصير الجيد وحف كأنه *** على الليث قنوان الكروم الدوالح

وقرئ { فصرهن } بضم الصاد وكسرها وهما لغتان ، مشددة الراء من صره يصره ويصره إذا جمعه وفصرهن من التصرية وهي الجمع أيضا . { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } أي ثم جزئهن وفرق أجزاءهن على الجبال التي بحضرتك . قيل كانت أربعة . وقيل سبعة . وقرأ أبو بكر " جزؤا " و " جزؤ " بضم الزاي حيث وقع . { ثم ادعهن } قل لهن تعالين بإذن الله تعالى . { يأتينك سعيا } ساعيات مسرعات طيرانا أو مشيا . روي أنه أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويقطعها فيمسك رؤوسها ، ويخلط سائر أجزائها ويوزعها على الجبال ، ثم يناديهن . ففعل ذلك فجعل كل جزء يطير إلى آخر حتى صارت جثثا ثم أقبلن فانضممن إلى رؤوسهن . وفيه إشارة إلى أن من أراد إحياء نفسه بالحياة الأبدية ، فعليه أن يقبل على القوى البدنية فيقتلها ويمزج بعضها ببعض حتى تنكسر سورتها ، فيطاوعنه مسرعات متى دعاهن بدعاية العقل أو الشرع . وكفى لك شاهدا على فضل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويمن الضراعة في الدعاء وحسن الأدب في السؤال ، إنه تعالى أراه ما أراد أن يريه في الحال على أيسر الوجوه ، وأراه عزيرا بعد أن أماته مائة عام . { واعلم أن الله عزيز } لا يعجز عما يريده . { حكيم } ذو حكمة بالغة في كل ما يفعله ويذره .