تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا جَزَـٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (33)

{ 33 ، 34 } { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

المحاربون لله ولرسوله ، هم الذين بارزوه بالعداوة ، وأفسدوا في الأرض بالكفر والقتل ، وأخذ الأموال ، وإخافة السبل .

والمشهور أن هذه الآية الكريمة في أحكام قطاع الطريق ، الذين يعرضون للناس في القرى والبوادي ، فيغصبونهم أموالهم ، ويقتلونهم ، ويخيفونهم ، فيمتنع الناس من سلوك الطريق التي هم بها ، فتنقطع بذلك .

فأخبر الله أن جزاءهم ونكالهم -عند إقامة الحد عليهم- أن يفعل بهم واحد من هذه الأمور .

واختلف المفسرون : هل ذلك على التخيير ، وأن كل قاطع طريق يفعل به الإمام أو نائبه ما رآه المصلحة من هذه الأمور المذكورة ؟ وهذا ظاهر اللفظ ، أو أن عقوبتهم تكون بحسب جرائمهم ، فكل جريمة لها قسط يقابلها ، كما تدل عليه الآية بحكمتها وموافقتها لحكمة الله تعالى . وأنهم إن قتلوا وأخذوا مالًا تحتم قتلُهم وصلبهم ، حتى يشتهروا ويختزوا ويرتدع غيرهم .

وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا تحتم قتلهم فقط . وإن أخذوا مالا ولم يقتلوا تحتم أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، اليد اليمنى والرجل اليسرى . وإن أخافوا الناس ولم يقتلوا ، ولا أخذوا مالا ، نفوا من الأرض ، فلا يتركون يأوون في بلد حتى تظهر توبتهم . وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه وكثير من الأئمة ، على اختلاف في بعض التفاصيل .

{ ذَلِكَ } النكال { لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا } أي : فضيحة وعار { وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فدل هذا أن قطع الطريق من أعظم الذنوب ، موجب لفضيحة الدنيا وعذاب الآخرة ، وأن فاعله محارب لله ولرسوله .

وإذا كان هذا شأن عظم هذه الجريمة ، علم أن تطهير الأرض من المفسدين ، وتأمين السبل والطرق ، عن القتل ، وأخذ الأموال ، وإخافة الناس ، من أعظم الحسنات وأجل الطاعات ، وأنه إصلاح في الأرض ، كما أن ضده إفساد في الأرض .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا جَزَـٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (33)

{ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } أي يحاربون أولياءهما وهم المسلمون ، جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما . وأصل الحرب السلب والمراد به ههنا قطع الطريق . وقيل المكابرة باللصوصية وإن كانت في مصر . { ويسعون في الأرض فسادا } أي مفسدين ، ويجوز نصبه على العلة أو المصدر لأن سعيهم كان فسادا فكأنه قيل : ويفسدون في الأرض فسادا . { أن يقتلوا } أي قصاصا من غير صلب إن أفردوا القتل . { أو يصلبوا } أي يصلبوا مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال ، وللفقهاء خلاف في أنه يقتل ويصلب أو يصلب حيا ويترك أو يطعن حتى يموت . { أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف } تقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى إن أخذوا المال ولم يقتلوا . { أو ينفوا من الأرض } ينفوا من بلد إلى بلد بحيث لا يتمكنون من القرار في موضع إن اقتصروا على الإخافة . وفسر أبو حنيفة النفي بالحبس ، وأو في الآية على هذا للتفصيل ، وقيل : إنه للتخيير والإمام مخير بين هذه العقوبات في كل قاطع طريق . { ذلك لهم خزي في الدنيا } ذل وفضيحة . { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } لعظم ذنوبهم .