فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّمَا جَزَـٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (33)

{ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض }( لا خلاف بين أهل العلم أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام ، وإن كانت نزلت في المرتدين أو اليهود ؛ وفي قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } استعارة ومجاز إذ الله سبحانه تعالى لا يحارب ولا يغالب لما هو عليه من صفات الكمال ، ولما وجب له من التنزيه عن الأضداد والأنداد ؛ والمعنى : يحاربون أولياء الله ؛ فعبر بنفسه العزيزة عن أوليائه إكبارا لإذايتهم ، كما عبر بنفسه عن الفقراء الضعفاء في قوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا . . ) ( {[1738]} ) ، حث على الاستعطاف عليهم ؛ ومثله في صحيح السنة : " استطعمتك فلم تطعمني " الحديث أخرجه مسلم ) ( {[1739]} ) ؛ والحرب في الأصل : السلب والأخذ ، يقال : حربه إذا سلبه ، والمراد به ههنا هو قطع الطريق ؛ نقل عن مالك : المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو في برية وكابرهم عن أنفسهم وأموالهم دون نائرة-هائجة_ ولا ذَحْل-ثأر- ولا عداوة ؛ وعن الشافعي وغيره : حكم ذلك في المصر أو في المنازل والطرق وديار أهل البادية والقرى سواء ، وحدودهم واحدة ؛ عن ابن عباس : إن أخذ المال وقَتَل قطعت يده ورجله ثم صلب ، فإذا قَتَل ولم يأخذ المال قتل ، وإن هو لم يأخذ المال ولم يقتل نُفي( {[1740]} ) ؛ وحكي مكحول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من حبس في السجون ، وقال : أحبسه حتى أعلم منه التوبة ، ولا أنفيه من بلد إلى بلد فيؤذيهم ؛ يقول بعض العلماء الحكام : والظاهر أن الأرض في الآية هي أرض النازلة ، وقد تجنب الناس قديما الأرض التي أصابوا فيها الذنوب ؛ نقل عن جمع من الصحابة والتابعين إن الإمام مخير في الحكم على المحاربين ، يحكم عليهم بأي الأحكام التي أوجبها الله تعالى من القتل أو الصلب أو القطع أو النفي بظاهر الآية ؛ قال ابن عباس : ما كان في القرآن { أو } فصاحبه بالخيار . ا ه .

{ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } والقطع من خلاف هو أن تقطع اليد اليمنى من الرجل اليسرى ، أو العكس ؛ { ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } شرع الله تعالى تلك العقوبة ، وشدد عليهم الجزاء العاجل ردعا لهم عن سوء فعلهم ، جعله فضيحة لهم وإذلالا ، وليكونوا لغيرهم نكالا ، صيانة لأموال الناس ودمائهم ، وتقديساً لحقهم وأمنهم ؛ { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } بقدر عظم جرمهم يكون أليم عذابهم ، فربنا جل وعز لا يظلم الناس شيئا( . . ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ) ( {[1741]} ) ؛ وهذا إذا ما مات على فجوره فلم يغفر له ولا عُفي عنه .


[1738]:من سورة البقرة. من الآية 245.
[1739]:من الجامع لأحكام القرآن.
[1740]:إذا اقتصر على إخافة الطريق.
[1741]:من سورة الأنعام. من الآية 160.