الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّمَا جَزَـٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (33)

قوله : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ( {[15768]} ) اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) الآية [ 35 ] .

معنى الآية : أنها بيان من الله( {[15769]} ) عن حكم المفسد في الأرض( {[15770]} ) .

والقطع من خلاف : أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى( {[15771]} ) .

ونزلت هذه الآية في قوم من أهل الكتاب نقضوا العهد ، وأفسدوا في الأرض ، وقطعوا السبل ، فخيّر الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم بالحكم فيهم ، قاله ابن عباس( {[15772]} ) ( وغيره ، قال ابن عباس )( {[15773]} ) : خيّر الله نبيه ، إن شاء أن يقتل وإن شاء أن يصلب وإن شاء أن يقطع من خلاف( {[15774]} ) . ( و )( {[15775]} ) قال الحسن : نزلت هذه الآية في المشركين( {[15776]} ) .

وقيل : نزلت في قوم –من عُكْل وعُرَيْنة( {[15777]} )- ارتدوا عن الإسلام ( وحاربوا( {[15778]} ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله( {[15779]} ) أنس وغيره ، إنهم ارتدوا( {[15780]} ) " ( {[15781]} ) واسْتَاقُوا( {[15782]} ) المواشي وقتلوا الرِّعاء( {[15783]} ) ، فقطع النبي( {[15784]} ) أيديهم وأرجلهم ، وسمل( {[15785]} ) أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا( {[15786]} ) . وقال بعض العلماء : إن هذه الآية ناسخة لما فعل النبي بالعُرَنيين إذ مثَّل بهم( {[15787]} ) ، فلم يعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المثلة( {[15788]} ) . وقيل : بل فعل ذلك النبي بوحي وإلهام لقوله : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى )( {[15789]} ) .

والسَّمْلُ : فَقْءِ( {[15790]} ) العين بحديدة أو بشوكة( {[15791]} ) .

وقوله : ( اَوْ يُنْفَقُوا( {[15792]} ) مِنَ الاَرْضِ ) : قيل : يخرجون من ديار الإسلام إلى دار( {[15793]} ) الحرب( {[15794]} ) ، وهو مذهب الشافعي( {[15795]} ) . وقال مالك : ينفى من البلد الذي أحدث فيه ذلك على غيره( {[15796]} ) . وقال الكوفيون : النفي –هنا- الحبس( {[15797]} ) ، لأنه لا يمكن أن ينفى من الأرض كلها لو تركنا والظاهر .


[15768]:- إن لفظ "الحرابة": "على كثرة دورانه في كتب الأئمة، لم يرد له ذكر في كتب اللغة... وهو إن شاء الله عربي صحيحُ البناء": من تعليق محقق تفسير الطبري 10/هامش 252.
[15769]:- د: سبحانه لا إله إلا هو.
[15770]:- انظر: تفسير الطبري 10/243.
[15771]:- انظر: مجاز أبي عبيدة 1/164، تفسير الطبري 10/268.
[15772]:- انظر: ناسخ مكي 270.
[15773]:- ساقطة من د.
[15774]:- وهو قول الضحاك أيضاً في تفسير الطبري 10/243 و244.
[15775]:- ساقطة من ب ج د.
[15776]:- وهو قول عكرمة أيضاً في تفسير الطبري 10/244.
[15777]:- ب: عريبه. ج د: عُرَيْنَة. وعُكْلٌ قبيلة "من الرّباب... فيهم غباوة وقلة فَهْم" اللسان: عكل. وعرينة –في قول الأزهري-: "حي من اليمن"، وفي قول الأخفش: "بطن من بجيلة" اللسان: عرن.
[15778]:- ج د: أحاربوا.
[15779]:- هو أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله، روى عنه وعن الخلفاء الأربعة. عنه قتادة وغيره. توفي سنة 90هـ. انظر: طبقات ابن سعد 7/17، وطبقات ابن خياط 91، والتذكرة 1/44.
[15780]:- ج د: ارتدوا عن الإسلام.
[15781]:- ساقطة من ب.
[15782]:- ج د: استقاموا.
[15783]:- ب ج د: الرعات. والرِّعاء والرُّعاة: جمع راع. انظر: اللسان: رعي.
[15784]:- في هامش "د" تعليق نصه: "انظر: ما فعل النبي في عذاب المرتد".
[15785]:- ج: سمر. "وسَمْل العين فَقْؤُها... إذا فقِئت بحديدة مُحْماةٍ... وقد يكون السَّمْل فَقْأَهَا بالشوك، وهو بمعنى السَّمْر" اللسان: سمل. "وسَمَر عينه: كسَمَلها... أي: أحمى لها مسامير الحديد، ثم كَحَلَهُم بها" اللسان: سمر.
[15786]:- وهو قول ابن جبير أيضاً في تفسير الطبري 10/244 وما بعدها، وفي ناسخ مكي 270 أنه قول الحسن.
[15787]:- ب: فيهم.
[15788]:- انظر: تفسير الطبري 10/252، وانظر: فيه 10/253 قول الليث أيضاً. وهو قول ابن سيرين في ناسخ مكي 270.
[15789]:- النجم: 3. وانظر: قول الأوزاعي في تفسير الطبري 10/253، وناسخ مكي 270.
[15790]:- ب ج د: قفء.
[15791]:- انظر: اللسان: سمل.
[15792]:- ب: ينفقوا.
[15793]:- ب ج د: ديار.
[15794]:- هو قول السدي وابن عباس وأنس والليث والضحاك والحسن والربيع والزهري وقتادة وابن جبير في تفسير الطبري 10/268 وما بعدها.
[15795]:- انظر: ناسخ مكي 271، وفي أحكام الشافعي 1/315 "ونفيُهم: أن يطلبوا فَيُنْفَوا من بلد إلى بلد".
[15796]:- هو قول ابن جبير وابن عبد العزيز في تفسير الطبري 10/270 وما بعدها، وانظر: ناسخ مكي 271.
[15797]:- قال الطبري في تفسيره 10/274: "وهو قول أبو حنيفة وأصحابه"، وانظر: ناسخ مكي 271.