جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِنَّمَا جَزَـٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (33)

{ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله{[1242]} } يحاربون أولياءهما من قاطع الطريق وغيره { ويسعون في الأرض فسادا } : مفسدين أو كأنه قال : يفسدون في الأرض فسادا أو يسعون في الفساد ، والفساد يطلق على أنواع الشر قال بعضهم نزلت في بعض أهل الكتاب بينهم وبين النبي –صلى الله عليه وسلم– ميثاق فنقضوا وأفسدوا في الأرض أو في جماعة مرضوا في المدينة فداواهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم– من ألبان الإبل وأبوالها ، فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الإبل فلما أخذوا قطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم ألقوا في الرمضاء حتى{[1243]} ماتوا فعلى هذا تكون تعليما لرسول الله –صلى الله عليه وسلم– ولهذا ما سمر بعد ذلك عينا { أن يُقتّلوا } أي من غير صلب إن أفردوا القتل { أو يُصلّبوا{[1244]} } مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال { أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف } أيدي اليمنى وأرجل اليسرى إن أخذوا المال فقط { أو يُنفوا{[1245]} من الأرض } إن اقتصروا على الإخافة والنفي هو أن يطلبهم الإمام فيقام عليهم الحد أو يهربوا من دار الإسلام أو ينفى من بلد وهكذا وقال بعضهم لا يخرجون من أرض الإسلام أو المراد من النفي السجن أو يخرج من بلده إلى آخر فيسجن فيه حتى تظهر توبته وقال كثير من السلف : إن الإمام مخير بين هذه العقوبات الأربعة في كل قاطع طريق فيكون أو للتخيير لا للتفصيل { ذلك لهم خِزي } فضيحة { في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } هذا يدل على أن الآية نزلت في جمع من المشركين وإلا فالجمهور على أن من أذنب ذنبا وعوقب في الدنيا فهو كفارة له .


[1242]:والحق أن هذه الآية تعم المشترك وغيره ممن ارتكب ما تضمنته ولا اعتبار بخصوص السبب بل الاعتبار بعموم اللفظ، قال القرطبي في تفسيره ولا خلاف بين أهل العلم في أن حكم هذه الآية مرتب في المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت في المرتدين واليهود انتهى ومعنى قوله: مرتب أي ثابت والأولى أن تفسير محاربة الله سبحانه بمعصيته ومخالفة شرائعه ومحاربة الرسول تحمل على معناها الحقيقي وحكم أمته حكمه وهم أسوته/12 فتح.
[1243]:وفي صحيح مسلم أنهم سمروا أعين الرعاء ففعل بهم قصاصا/12. [أخرجه البخاري في (التفسير)/باب: {إنما جزاء الذين يحاربون الله...} الآية (4610) وفي غير موضع من صحيحه].
[1244]:عند أبي حنيفة ومالك يصلب حيا ويطعن حتى يموت إن قتل وأخذ المال، وقال غيرهما يقتل ثم يصلب لعبرة الغير وعليه الشافعي/12 وجيز.
[1245]:وظاهر القرآن أن الإمام مخير بين إيقاع ما شاء منها بالمحارب في أي رتبة كان/12 وجيز.