الرابع : كونه { دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ } أي : أرسله اللّه ، يدعو الخلق إلى ربهم ، ويسوقهم{[708]} لكرامته ، ويأمرهم بعبادته ، التي خلقوا لها ، وذلك يستلزم استقامته ، على ما يدعو إليه ، وذكر تفاصيل ما يدعو إليه ، بتعريفهم لربهم بصفاته المقدسة ، وتنزيهه عما لا يليق بجلاله ، وذكر أنواع العبودية ، والدعوة إلى اللّه بأقرب طريق موصل إليه ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وإخلاص الدعوة إلى اللّه ، لا إلى نفسه وتعظيمها ، كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام ، وذلك كله بِإِذْنِ الله تعالى له في الدعوة وأمره وإرادته وقدره .
الخامس : كونه { سِرَاجًا مُنِيرًا } وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة ، لا نور ، يهتدى به في ظلماتها ، ولا علم ، يستدل به في جهالاتها{[709]} حتى جاء اللّه بهذا النبي الكريم ، فأضاء اللّه به تلك الظلمات ، وعلم به من الجهالات ، وهدى به ضُلَّالًا إلى الصراط المستقيم .
فأصبح أهل الاستقامة ، قد وضح لهم الطريق ، فمشوا خلف هذا الإمام وعرفوا به الخير والشر ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة ، واستناروا به ، لمعرفة معبودهم ، وعرفوه بأوصافه الحميدة ، وأفعاله السديدة ، وأحكامه الرشيدة .
{ وداعياً } أي للفريقين { إلى الله } أي إلى ما يرضي الذي لا أعظم منه بالقول والفعل ، {[55768]}وأعرى الدعاء عن المبالغة لأنه شامل للبشارة والنذارة والإخبار بالقصص والأمثال ونصب الأحكام والحدود ، والمأمور به في كل ذلك الإبلاغ بقدر الحاجة بمبالغة أو غيرها{[55769]} فمن لم ترده عن غيه النذارة ، وتقبل به إلى رشده{[55770]} البشارة ، حمل على ذلك بالسيف .
ولما كان ذلك في غاية الصعوبة ، لا يقوم به أحد إلا بمعونة من الله عظيمة ، أشار إلى ذلك بقوله : { بإذنه } أي بتمكينه لك من الدعاء بتيسير أسبابه ، وتحمل أعبائه ، وللمدعو من الإقبال والإتباع إن أراد له الخير .
ولما كان الداعي إلى الله يلزمه النور لظهور الأدلة قال : { وسراجاً } يمد البصائر فيجلي ظلمات الجهل بالعلم المبصر لمواقع الزلل كما يمد النور الحسي نور الأبصار . ولما كان المقام مرشداً إلى إنارته ، وكان من السرج ما لا يضيء ، و{[55771]} كان للتصريح والتأكيد شأن عظيم قال : { منيراً * } أي ينير على من أتبعه ليسير في أعظم ضياء ، ومن تخلف عنه كان في أشد ظلام ، {[55772]}فعرف من التقييد بالنور أنه محط الشبه ، وعبر به دون الشمس{[55773]} لأنه يقتبس منه ولا ينقص مع أنه من أسماء الشمس{[55774]} .
قوله : { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ } أي تبلغ الناس دعوة الحق وتحرضهم على الإيمان بالله وحده لا شريك له ، وتحذرهم الكفر والعصيان { بإذنه } أي تدعوهم لكل ذلك بأمر الله إياك .
قول : { وَسِرَاجًا مُنِيرًا } السراج معناه المضيء الزاهر . ومن المجاز : سَرَج الله وجهه أي حسَّنه وبهَّجه . والشمس سراج النهار والهدى سراج المؤمنين ، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، السراج الوهاج{[3755]} . والمراد : أن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم للعالمين هاديا لهم ليهتدوا بدينه المشرق المنير ويستضيئون بنوره الذي جاء به من عند الله وهو الإسلام الذي كتبه الله للبشرية استنقاذا لهم من الضلالة إلى الهداية ، ومن الظلم والباطل إلى الحق والعدل . ذلكم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهو كالمصباح المضيء ينير للبشرية طريقها إلى النجاة بما يحمله للعالمين من عقيدة راسخة بنيت على الطهر والتوحيد والفضيلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.