تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ } أي : تدور عليهم خدامهم ، من الولدان المخلدين بطعامهم ، بأحسن الأواني وأفخرها ، وهي صحاف الذهب وشرابهم ، بألطف الأواني ، وهي الأكواب التي لا عرى لها ، وهي من أصفى الأواني ، من فضة أعظم من صفاء القوارير .

{ وَفِيهَا } أي : الجنة { مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ } وهذا لفظ جامع ، يأتي على كل نعيم وفرح ، وقرة عين ، وسرور قلب ، فكل ما اشتهته النفوس ، من مطاعم ، ومشارب ، وملابس ، ومناكح ، ولذته العيون ، من مناظر حسنة ، وأشجار محدقة ، ونعم مونقة ، ومبان مزخرفة ، فإنه حاصل فيها ، معد لأهلها ، على أكمل الوجوه وأفضلها ، كما قال تعالى : { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ } { وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وهذا هو تمام نعيم أهل الجنة ، وهو الخلد الدائم فيها ، الذي يتضمن دوام نعيمها وزيادته ، وعدم انقطاعه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

ولما كان هذا أمراً سائقاً إلى حالهم سابقاً لمن كان واقفاً عنهم إلى وصالهم ، أقبل على ما لعله يوقفه الاشتغال بلهو أو مال محركاً لما جهل منه ، ومنبهاً على ما غفل عنه ، فقال عائداً إلى الغيبة ترغيباً في التقوى : { يطاف عليهم } أي المتقين الذين جعلناهم بهذا النداء ملوكاً { بصحاف } جمع صحفة وهي القصعة { من ذهب } فيها من ألوان الأطعمة والفواكه والحلوى ما لا يدخل تحت الوهم .

ولما كانت آنية الشرب في الدنيا أقل من آنية الأكل ، جرى على ذلك المعهود ، فعبر بجمع القلة في قوله : { وأكواب } جمع كوب وهو كوز مستدير مدور الرأس لا عروة له ، قد تفوق عن شيء منه اليد أو الشفقة أو يلزم منها بشاعة في شيء من دائر الكوز ، وإيذاناً بأنه لا حاجة أصلاً إلى تعليق شيء لتزيد أوصافه عن أذى أو نحو ذلك .

ولما رغب فيها بهذه المغيبات ، أجمل بما لا يتمالك معه عاقل عن المبادرة إلى الدخول فيما يخصها فقال : { وفيها } أي الجنة . ولما كانت اللذة محصورة في المشتهى قال تعالى : { ما تشتهيه الأنفس } من الأشياء المعقولة والمسموعة والملموسة وغيرها جزاء لهم على ما منعوا أنفسهم من الشهوات في الدنيا ، ولما كان ما يخص المبصرات من ذلك أعظم ، خصها فقال : { وتلذ الأعين } من الأشياء المبصرة التي أعلاها النظر إلى وجهه الكريم تعالى ، جزاء ما تحملوه من مشاق الاشتياق .

ولما كان ذلك لا يكمل طيبه إلا بالدوام ، قال عائداً إلى الخطاب لأنه أشرف وألذ مبشر لجميع المقبلين على الكتاب ، والملتفت إليهم بالترغيب في هذا الثواب ، بشارة لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بما قدمه في أول السورة وأثنائها من بلوغ قومه نهاية العقل والعلم الموصلين إلى أحسن العمل الموجب للسعادة : { وأنتم فيها خالدون } لبقائها وبقاء كل ما فيها ، فلا كلفة عليكم أصلاً من خوف من زوال ولا حزن من فوات .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

قوله : { يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب } الصحاف جمع صحفة وهي إناء كالقصعة . وقال الزمخشري : الصحفة : قصعة مستطيلة{[4153]} والأكواب ، جمع كوب وهو كوز مستدير الرأس لا أذن له . ويقال : قدح لا عروة له {[4154]} .

والمعنى : أن المؤمنين في الجنة يطاف عليهم بصحائف الطعام وأكواب الشراب وهم آمنون مطمئنون وفي غاية النعيم والابتهاج ، لا يشقون ولا يشكون من حر ولا قر ولا شدة ، ولا يؤزهم هم ولا غم ولا نصب ولا كرب ، بل يجدون فيها من وجوه النعيم والراحة والهناء ما لا يتصوره بشر .

على أن الذهب والفضة يحرم استعمالها في الأكل والشرب .

فقد ثبت في الصحيحين عن حذيفة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ، ولا تشربوا في آنية الذهب و الفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " .

وروى الأئمة من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " ، وقال : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها " .

ويستدل من ذلك على تحريم الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة وهو مالا خلاف فيه . أما استعمالهما في غير فإنه غير ذلك جائز للرجال على الراجح ، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير : " هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثها " والنهي عن الأكل والشرب فيها يدل على تحريم استعمالها ، لأنه نوع من المتاع فلم يجز ، ولأن العلة في ذلك استعجال أجر الآخر . ويستوي في ذلك الأكل والشرب وسائر أوجه الانتفاع .

قوله : { وفيها ما تشتهيه الأنفس تلذ الأعين وأنتم فيها خالدون } في الجنة من الخيرات والثمرات وأصناف النعم ما تشتهيه أنفس المؤمنين المحبورين المنعمين وما تستلذ به أعينهم أو يسعدون باشتمامه لفرط حسنه وبهائه وجماله . وهم في هذا الحال من النعم واللذائذ والمباهج قائمون دائمون لا يبرحون ولا يموتون .


[4153]:المصباح المير جـ 1 ص 358.
[4154]:المصباح المنير جـ 2 ص 205.