تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ} (23)

{ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } تقودها الملائكة بالسلاسل .

فإذا وقعت هذه الأمور ف { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ } ما قدمه من خير وشر .

{ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } فقد فات أوانها ، وذهب زمانها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ} (23)

وقوله : { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا عمر بن حفص بن{[30060]} غياث ، حدثنا أبي ، عن العلاء بن خالد الكاهلي ، عن شقيق ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرونها " .

وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن عمر بن حفص ، به{[30061]} ورواه أيضا عن عبد بن حُمَيد ، عن أبي عامر ، عن سفيان الثوري ، عن العلاء بن خالد ، عن شقيق ابن سلمة - وهو أبو وائل - عن عبد الله بن مسعود ، قوله ولم يرفعه{[30062]} وكذا رواه ابن جرير ، عن الحسن بن عرفة ، عن مَروان بن معاوية الفزاري ، عن العلاء بن خالد ، عن شقيق ، عن عبد الله ، قوله{[30063]} .

وقوله : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ } أي : عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه ، { وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } أي : وكيف تنفعه الذكرى ؟


[30060]:- (4) في أ: "نبأنا".
[30061]:- (5) صحيح مسلم برقم (2842) وسنن الترمذي برقم (2573).
[30062]:- (6) سنن الترمذي برقم (2573).
[30063]:- (7) تفسير الطبري (30/120).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ} (23)

واستعمال { وجيء يومئذ بجهنم } كاستعمال مَجيء الملك ، أي أحضرت جهنم وفتحت أبوابها فكأنها ( جاءَ ) بها جاء والمعنى : أظهرت لهم جهنم قال تعالى : { حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها } [ الزمر : 71 ] وقال : { وبرزت الجحيم لمن يرى } [ النازعات : 36 ] وورد في حديث مسلم عن ابن مسعود يرفعه : « أن لجهنم سبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها » وهو تفسير لمعنى { وجيء يومئذ بجهنم } . وأمور الآخرة من خوارق العادات .

وإنما اقتصر على ذكر جهنم لأن المقصود في هذه السورة وعيد الذين لم يتذكروا وإلا فإن الجنة أيضاً مُحضرة يومئذ قال تعالى : { وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين } [ الشعراء : 90 91 ] .

و { يومئذ } الأول متعلق بفعل { جيء } . والتقدير : وجيء يوم تُدَكّ الأرض دَكّاً دكّاً إلى آخره .

و { يومئذ } الثاني بدل من { إذا دكت الأرض } والمعنى : يوم تدكّ الأرض دكاً إلى آخره يتذكر الإِنسان . والعامل في البدل والمبدل منه معاً فعل { يتذكر } . وتقديمه للاهتمام مع ما في الإطناب من التشويق ليحصل الإِجمال ثم التفصيل مع حسن إعادة ما هو بمعنى { إذا } لزيادة الربط لطول الفصل بالجمل التي أضيف إليها { إذا } .

و { الإِنسان } : هو الإِنسان الكافر ، وهو الذي تقدم ذكره في قوله تعالى : { فأما الإِنسان إذا ما ابتلاه ربه } [ الفجر : 15 ] الآية فهو إظهار في مقام الإِضمار لبعد مَعاد الضمير .

وجملة : { وأنى له الذكرى } معترضة بين جملة { يتذكر الإنسان } وجملة : { يقول } الخ .

و { أنّى } اسم استفهام بمعنى : أين له الذكرى ، وهو استفهام مستعمل في الإِنكار والنفي ، والكلامُ على حذف مضاف ، والتقدير : وأين له نَفْع الذكرى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ} (23)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ" يقول تعالى ذكره : وجاء الله يومئذٍ بجهنم ...

وقوله : "يَوْمَئِذٍ يَتَذَكّرُ الإنْسانُ" يقول تعالى ذكره : يومئذٍ يتذكر الإنسان تفريطه في الدنيا في طاعة الله ، وفيما يقرّب إليه من صالح الأعمال

"وَأنّى لَهُ الذّكْرَى" يقول : من أيّ وجه له التذكير ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله تعالى : { يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى } يحتمل أن يتذكر إشفاق الأنبياء عليهم السلام ونصيحتهم له ، فيعلم أنه كان في ما توهم بهم من الظنون الفاسدة مبطلا ، فيكون بذكره ذلك مصدقا للرسل عليهم السلام { وأنى له الذكرى } أي لا ينفعه تصديقه إياهم ، إذ لم يصدقهم في الدنيا ، أو { يتذكر } في أن يتلهف على ما فرط في جنب الله من التقصير في حقوقه والتضييع الذي سبق منه حين لم يشكر نعمه ، ولم يوجه إليه العبادة ، فيكون تلهفه ذلك إيمانا ، ولكن لا ينفعه تلهفه في ذلك الوقت لأن تلك الدار ليست بدار امتحان ، بل دار جزاء . والذي يحمله على التصديق مشاهدته الجزاء والحساب ، وعند المشاهدة ترتفع المحنة ، ويكون إيمانه حينئذ ضروريا لا حقيقة ، فذلك لا ينفعه ، وإنما تنفعه الطاعة وقت ملكه نفسه . فأما إذا خرج ملك نفسه من يده لم يقع له بالإيمان جدوى . وقال بعضهم : { يتذكر الإنسان } أي يتعظ ، وأنى له الانتفاع بالموعظة . ثم في هذا التذكر بيان لطف من الله تعالى ، يعطيه إياه حتى يتذكر ، وإلا فالإنسان يذهب عليه ما قد كتبه في وقت إذا أتى عليه حين ، حتى لو أراد أن يتذكر وقت كتابته ، لم يقدر عليه . ثم الله تعالى يذكره في الآخرة جميع ما سبق منه في الدنيا ، فيتذكر ذلك . ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

أي: أحضرت جهنم ليعاقب بها المستحقون لها ويرى أهل الموقف هولها ، وعظم منظرها . وقوله ( يتذكر الإنسان ) إخبار منه تعالى بأن الإنسان يتذكر ما فرط فيه في دار التكليف من ترك الواجب وفعل القبيح ويندم عليه . ثم قال تعالى ( وأنى له الذكرى ) ومعناه من أين له الذكرى التي كان أمر بها في دار الدنيا ، فإنها تقوده إلى طريق الاستواء وتبصره الضلال من الهدى ، فكأنه قال وأنى له الذكرى التي ينتفع بها ، كما لو قيل يتندم وأنى له الندم . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

" أي : يتذكر ما فرّط فيه ، أو يتعظ { وأنى لَهُ الذكرى } ومن أين له منفعة الذكرى ؟ لا بد من تقدير حذف المضاف ، وإلا فبين : يوم يتذكر ، وبين { وأنى لَهُ الذكرى } تناف وتناقض . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ وجاء } أي بأسهل أمر { يومئذ } أي إذ وقع ما ذكر { بجهنم } أي النار التي تتجهم من يصلاها ،.. وأبدل من " إذا " توضيحاً لطول الفصل وتهويلاً قوله : { يومئذ } أي إذ وقعت هذه الأمور فرأى الإنسان ما أعد للشاكرين وما أعد للكافرين ....{ يتذكر الإنسان } أي على سبيل التجديد والاستمرار فيذكر كل ما كان ينفعه في الدنيا وما يضره فيعلم أن حبه للدنيا لم يفده إلا خساراً ، لا زاد بحبها شيئاً لم يكتب له ولا كان ينقصه بذلها شيئاً كما كتب له أو بذلها ، وإذا تذكر ذلك هان عليه البذل ، وليست تلك الدار دار العمل ، فلذلك قال : { وأنى } أي كيف ومن أي وجه { له الذكرى } أي نفع التذكر العظيم فإنه في غير موضعه ، فلا ينفعه أصلاً بوجه من الوجوه لفوات دار العمل ، ولا يقع بذلك على شيء سوى الندم وتضاعف الغم والهم والآلام . ... .

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يجاء بجهنم فتقف متأهبة هي الأخرى ! " يومئذ يتذكر الإنسان " . . الإنسان الذي غفل عن حكمة الابتلاء بالمنع والعطاء . والذي أكل التراث أكلا لما ، وأحب المال حبا جما . والذي لم يكرم اليتيم ولم يحض على طعام المسكين . والذي طغى وأفسد وتولى . . يومئذ يتذكر . يتذكر الحق ويتعظ بما يرى . . ولكن لقد فات الأوان " وأنى له الذكرى ؟ " . . ولقد مضى عهد الذكرى ، فما عادت تجدي هنا في دار الجزاء أحدا ! وإن هي إلا الحسرة على فوات الفرصة في دار العمل في الحياة الدنيا ! ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وما نستنبطه من الآية ، إنّ جهنم قابلة للحركة ، فتقرب للمجرمين ، كما هو حال حركة الجنّة للمتقين : ( واُزلفت الجنّة للمتقين ) . وثمّة مَن يعطي للآية معنىً مجازياً ، ويعتبرها كناية عن ظهور الجنّة والنّار أمام أعين المحسنين والمسيئين . ولكن ، لا دليل على الأخذ بخلاف الظاهر ، ومن الأفضل التعامل مع ظاهر الآية ، لأنّ حقائق عالم القيامة لا يمكن فهمها وتصورها بشكل دقيق لمحدودية عالمنا أمام ذلك العالم من جهة ؟ ولاختلاف القوانين والسنن التي تحكم ذلك العالم من جهة أخرى . . ثمّ ، ما المانع في تحرك كلّ من الجنّة والنّار في ذلك اليوم ؟ ... نعم ، فحينما يرى المذنب كلّ تلك الحوادث تهتز فرائصه ويتزلزل رعباً ، فيستيقظ من غفلته ويعيش حالة الهمّ والغمّ ، ويتحسر على كلّ لحظة مرّت من حياته بعدما يرى ما قدّمت يداه ، ولكن . هل للحسرة حينها من فائدة ؟ ! وكم سيتمنى المذنب لو تسنح له الفرصة ثانية للرجوع إلى الدنيا وإصلاح ما أفسد ، ولكنّه سيرى أبواب العودة مغلقة ، ولا من مخرج ! . . . ويودّ التوبة . . وهل للتوبة من معنى بعد غلق أبوابها ؟ ! ويريد أن يعمل صالحاً . . ولكن أين ؟ فقد طويت صحائف الأعمال ، ويومها يوم حساب بلا عمل ! . . . ...