تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا }

يخبر تعالى عن مآل المنافقين أنهم في أسفل الدركات من العذاب ، وأشر الحالات من العقاب . فهم تحت سائر الكفار لأنهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله ، وزادوا عليهم المكر والخديعة والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين ، على وجه لا يشعر به ولا يحس . ورتبوا على ذلك جريان أحكام الإسلام عليهم ، واستحقاق ما لا يستحقونه ، فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب ، وليس لهم منقذ من عذابه ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه ، وهذا عام لكل منافق إلا مَنْ مَنَّ الله عليهم بالتوبة من السيئات . { وَأَصْلَحُوا } له الظواهر والبواطن { وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ } والتجأوا إليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم . { وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ } الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان { لِلَّهِ }

فقصدوا وجه الله بأعمالهم الظاهرة والباطنة وسلِمُوا من الرياء والنفاق ، فمن اتصف بهذه الصفات { فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أي : في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } لا يعلم كنهه إلا الله ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص بالذكر ، مع دخولهما في قوله : { وَأَصْلَحُوا } لأن الاعتصام والإخلاص من جملة الإصلاح ، لشدة الحاجة إليهما خصوصا في هذا المقام الحرج الذي يمكن من القلوب النفاق ، فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله ، ودوام اللجأ والافتقار إليه في دفعه ، وكون الإخلاص منافيا كل المنافاة للنفاق ، فذكرهما لفضلهما وتوقفِ الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما ، ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما .

وتأمل كيف لما ذكر أن هؤلاء مع المؤمنين لم يقل : وسوف يؤتيهم أجرا عظيما ، مع أن السياق فيهم . بل قال : { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } لأن هذه القاعدة الشريفة -لم يزل الله يبدئ فيها ويعيد ، إذا كان السياق في بعض الجزئيات ، وأراد أن يرتب{[249]}  عليه ثوابًا أو عقابا وكان ذلك مشتركًا بينه وبين الجنس الداخل فيه ، رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها ، ولئلا يتوهم اختصاص الحكم بالأمر الجزئي ، فهذا من أسرار القرآن البديعة ، فالتائب من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابهم .


[249]:- غي ب: يترتب.

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

ثم أخبر تعالى أن من تاب [ منهم ]{[8518]} في الدنيا تاب عليه{[8519]} وقَبِلَ ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله ، واعتصم بربه في جميع أمره ، فقال : { إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ } أي : بَدَّلوا الرياء بالإخلاص ، فينفعهم العمل الصالح وإن قل .

قال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زَحْر ، عن خالد بن أبي عِمْران ، عن عمرو بن مرة ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخلص دينك ، يكفك القليل من العمل " {[8520]} .

{ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أي : في زمرتهم يوم القيامة { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا }


[8518]:زيادة من أ.
[8519]:في أ: "عليهم".
[8520]:ورواه الحاكم في المستدرك (1/570) وأبو نعيم في الحلية (1/244) وابن أبي الدنيا في الإخلاص برقم (79) من طريق عمرو بن مرة به، وفي إسناده انقطاع بين عمرو بن مرة ومعاذ فإنه لم يسمع منه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

{ إلا الذين تابوا } عن النفاق . { وأصلحوا } ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق . { واعتصموا بالله } وثقوا به أو تمسكوا بدينه . { وأخلصوا دينهم لله } لا يريدون بطاعتهم إلا وجهه سبحانه وتعالى . { فأولئك مع المؤمنين } ومن عدادهم في الدارين . { وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما } فيساهمونهم فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

ثم استثنى عز و جل التائبين من المنافقين ، ومن شروط التائب أن يصلح في قوله وفعله ، ويعتصم بالله ، أي يجعله منعته وملجأه ، ويخلص دينه لله تعالى ، وإلا فليس بتائب ، وقال حذيفة بن اليمان بحضرة عبد الله بن مسعود : والله ليدخلن الجنة قوم كانوا منافقين ، فقال له عبد الله بن مسعود : وما علمك بذلك ؟ فغضب حذيفة وتنحى ، فلما تفرقوا مر به علقمة فدعاه وقال : أما إن صاحبكم يعلم الذي قلت ، ثم تلا { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا } الآية ، وأخبر تعالى أنهم مع المؤمنين في رحمة الله وفي منازل الجنة ، ثم وعد المؤمنين «الأجر العظيم » وحذفت الياء من { يؤت } في المصحف تخفيفاً قال الزجّاج : لسكونها وسكون اللام في { الله } ، كما حذفت من قوله { يوم يناد المناد }{[4349]} وكذلك { سندع الزبانية }{[4350]} وأمثال هذا كثير و «الأجر العظيم » : التخليد في الجنة .


[4349]:- من قوله تعالى في الآية (41) من سورة (ق): {واستمع يوم ينادي المناد من مكان قريب}.
[4350]:- الآية رقم (18) من سورة (العلق).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَٱعۡتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُواْ دِينَهُمۡ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَسَوۡفَ يُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (146)

استثنى من هذا الوعيد من آمن من المنافقين ، وأصلح حاله ، واعتصم بالله دون الاعتزاز بالكافرين ، وأخلص دينه لله ، فلم يشبْه بتردّد ولا تربّص بانتظار من ينتصر من الفريقين : المؤمنين والكافرين ، فأخبر أنّ من صارت حاله إلى هذا الخير فهو مع المؤمنين ، وفي لفظ ( مع ) إيماء إلى فضيلة من آمن من أوّل الأمر ولم يَصِم نفسه بالنفاق لأنّ ( مع ) تدخل على المتبوع وهو الأفصل .

وجيء باسم الإشارة في قوله : { فأولئك مع المؤمنين } لزيادة تمييز هؤلاء الذين تابوا ، وللتنبيه على أنّهم أحرياء بما سيرد بعد اسم الإشارة .

وقد علم الناس ما أعدّ الله للمؤمنين بما تكرّر في القرآن ، ولكن زاده هنا تأكيداً بقوله : { وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً } . وحرف التنفيس هنا دلّ على أنّ المراد من الأجر أجر الدنيا وهو النصر وحسن العاقبة وأجر الآخرة ، إذ الكلّ مستقبل ، وأن ليس المراد منه الثواب لأنّه حصل من قبل .