تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

وقوله : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي : توبة تلم شعثكم ، وتجمع متفرقكم ، وتقرب بعيدكم .

{ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ } أي : يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم ، ويعبدون أهواءهم ، من أصناف الكفرة والعاصين ، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم ، فهؤلاء يريدون { أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } أي : [ أن ] تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين .

يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان ، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره ، إلى مَنْ الشقاوةُ كلها في اتباعه . فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم ، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء ، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الداعيين ، وتخيّروا أحسن الطريقتين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

وقوله : { [ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ]{[7156]} وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا } أي : يُريد{[7157]} أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة { أَنْ تَمِيلُوا } يعني : عن الحق إلى الباطل { مَيْلا عَظِيمًا } .


[7156]:زيادة من ر، أ.
[7157]:في ر، أ: "من".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

{ والله يريد أن يتوب عليكم } كرره للتأكيد والمبالغة . { ويريد الذين يتبعون الشهوات } يعني الفجرة فإن اتباع الشهوات الائتمار لها ، وأما المتعاطي لما سوغه الشرع منها دون غيره فهو متبع له في الحقيقة لا لها . وقيل : المجوس . وقيل : اليهود فإنهم يحلون الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت . { أن تميلوا } عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهوات واستحلال المحرمات . { ميلا عظيما } بالإضافة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندور غير مستحل لها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

وتكرار إرادة الله تعالى التوبة على عباده تقوية للإخبار الأول ، وليس المقصد في هذه الآية إلا الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشهوات ، فقدمت إرادة الله توطئة ، مظهرة لفساد إرادة متبعي الشهوات ، واختلف المتأولون في متبعي الشهوات ، فقال مجاهد : هم الزناة ، وقال السدي : هم اليهود والنصارى ، وقالت فرقة : هم اليهود خاصة ، لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب ، وقال ابن زيد : ذلك على العموم في هؤلاء ، وفي كل متبع شهوة ، ورجحه الطبري ، وقرأ الجمهور «ميْلاً » بسكون الياء ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «مَيلاً » بفتح الياء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

كرّر قوله : { والله يريد أن يتوب عليكم } ليرتّب عليه قوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً فليس بتأكيد لفظي ، وهذا كما يعاد اللفظ في الجزاء والصفة ونحوها ، كقول الأحوص في الحماسة .

فَإذا تَزُول تَزُولُ عن متخمّط *** تُخشَى بَوَادِرُه على الأقْران

وقوله تعالى : { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا } [ القصص : 63 ] والمقصد من التعرُّض لإرادة الذين يتّبعون الشهوات تنبيهُ المسلمين إلى دخائل أعدائهم ، ليعلموا الفرق بين مراد الله من الخلق . ومراد أعوان الشياطين ، وهم الذين يتّبعون الشهوات . ولذلك قُدّم المسند إليه على الخَبر الفِعْلي في قوله : { والله يريد أن يتوب عليكم } ليدلّ على التخصيص الإضافي . أي الله وحده هو الذي يريد أن يتوب عليكم ، أي يحرّضكم على التوبة والإقلاع عن المعاصي ، وأمّا الذين يتّبعون الشهوات فيريدون انصرافكم عن الحقّ ، وميلكم عنه إلى المعاصي . وإطلاقُ الإرادة على رغبة أصحاب الشهوات في ميْل المسلمين عن الحقّ لمشاكلة { يريد الله ليبين لكم } [ النساء : 26 ] . والمقصود : ويحبّ الذين يتّبعون الشهوات أن تميلوا . ولمّا كانت رغبتهم في ميل المسلمين عن الحقّ رغبة لا تخلو عن سعيهم لحصول ذلك ، أشبهت رغبتُهم إرادة المريد للفعل ، ونظيره قوله تعالى بعد هذه الآية { يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل } [ النساء : 44 ] .

وحذف متعلّق { تميلوا } لظهوره من قرينة المقام ، وأراد بالذين يتّبعون الشهوات الذين تغلبهم شهواتهم على مخالفة ما شرعه الله لهم : من الذين لا دين لهم ، وهم الذين لا ينظرون في عواقب الذنوب ومفاسدها وعقوبتها ، ولكنّهم يرضون شَهَواتهم الداعية إليها . وفي ذكر هذه الصلة هنا تشنيع لحالهم ، ففي الموصول إيماء إلى تعليل الخبر . والمراد بهم المشركون : أرادوا أن يتّبعهم المسلمون في نكاح أزواج الآباء ، واليهودُ أرادوا أن يتّبعوهم في نكاح الأخوات من الأب ونكاح العمّات والجمع بين الأختين . والميلُ العظيم هو البعد عن أحكام الشرع والطعن فيها . فكان المشركون يحبّبون للمسلمين الزنى ويعرضون عليهم البغايا . وكان المجوس يطعنون في تحريم ابنةِ الأخ وابنة الأخت ويقولون : لماذا أحلّ دينكم ابنة العمّة وابنة الخالة . وكان اليهود يقولون : لا تحرم الأخت التي للأب ولا تحرم العمّة ولا الخالة ولا العّم ولا الخال . وعبّر عن جميع ذلك بالشهوات لأنّ مجيء الإسلام قد بيّن انتهاء إباحة ما أبيح في الشرائع الأخرى ، بله ما كان حراماً في الشرائع كلّها وتساهل فيه أهل الشرك .