تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

{ قَالُوا سُبْحَانَكَ } أي : ننزهك من الاعتراض منا عليك ، ومخالفة أمرك . { لَا عِلْمَ لَنَا } بوجه من الوجوه { إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا } إياه ، فضلا منك وجودا ، { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } العليم الذي أحاط علما بكل شيء ، فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر .

الحكيم : من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق ، ولا يشذ عنها مأمور ، فما خلق شيئا إلا لحكمة : ولا أمر بشيء إلا لحكمة ، والحكمة : وضع الشيء في موضعه اللائق به ، فأقروا ، واعترفوا بعلم الله وحكمته ، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء ، واعترافهم بفضل الله عليهم ، وتعليمه إياهم ما لا يعلمون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

[ وقوله ]{[1522]} { قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } هذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء ، وأن يعلموا شيئا إلا ما علمهم الله تعالى ، ولهذا قالوا : { سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } أي : العليم بكل شيء ، الحكيم في خلقك وأمرك وفي تعليمك من تشاء ومنعك من تشاء ، لك الحكمة في ذلك ، والعدل التام .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ، عن ابن عباس : سبحان الله ، قال : تنزيه الله نفسه عن السوء . [ قال ]{[1523]} ثم قال عمر لعلي وأصحابه عنده : لا إله إلا الله ، قد عرفناها{[1524]} فما سبحان الله ؟ فقال له علي : كلمة أحبها الله لنفسه ، ورضيها ، وأحب أن تقال{[1525]} .

قال : وحدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا النضر بن عربي قال : سأل رجل ميمون بن مِهْرَان عن " سبحان الله " ، فقال : اسم يُعَظَّمُ الله به ، ويُحَاشَى به من السوء .


[1522]:زيادة من أ.
[1523]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
[1524]:في جـ، ط: "عرفناه".
[1525]:تفسير ابن أبي حاتم (1/117).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

{ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } اعتراف بالعجز والقصور ، وإشعار بأن سؤالهم كان استفسارا ولم يكن اعتراضا ، وأنه قد بان لهم ما خفي عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه وإظهار لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما اعتقل عليهم ، ومراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه . وسبحانك مصدر كغفران ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله ، كمعاذ الله . وقد أجري علما للتسبيح بمعنى التنزيه على الشذوذ في قوله : سبحان من علقمة الفاخر . وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار والجهل بحقيقة الحال ، ولذلك جعل مفتاح التوبة فقال موسى عليه السلام : { سبحانك تبت إليك } وقال يونس : { سبحانك إني كنت من الظالمين } .

{ إنك أنت العليم } الذي لا يخفى عليه خافية : { الحكيم } المحكم لمبدعاته الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة . وأنت فصل ، وقيل : تأكيد للكاف كما في قولك : مررت بك أنت ، وإن لم يجز : مررت بأنت ، إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع ، ولذلك جاز : يا هذا الرجل ، ولم يجز : يا الرجل ، وقيل : مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر إن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 32 )

{ قالوا } : ولذلك لم يسغ للملائكة الاجتهاد وقالوا : { سبحانك } حكاه النقاش . قال : ولو لم يشترط عليهم الصدق في الإنباء لجاز لهم الاجتهاد كما جاز للذي أماته الله مائة عام حين قال له «كم لبثت ؟ » ولم يشترط عليه الإصابة . فقال ، ولم يصب فلم يعنف .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا كله محتمل .

وحكى الطبري أن بعض المفسرين قال : معنى { إن كنتم } «إذ كنتم » .

قال الطبري : وهذا خطأ . وإن قال قائل ما الحكمة في قول الله تعالى للملائكة { إني جاعل } الآية ، قيل : هذا منه امتحان لهم واختبار ليقع منهم ما وقع ويؤدبهم تعالى من تعليم آدم وتكريمه بما أدب( {[446]} ) .

و { سبحانك } معناه : تنزيهاً لك وتبرئة أن يعلم أحد من علمك إلا ما علمته ، و { سبحانك } نصب على المصدر .

وقال الكسائي : «نصبه على أنه منادى مضاف »( {[447]} ) .

قال الزهراوي : موضع { ما } من قولهم { ما علمتنا } نصب ب { علمتنا }( {[448]} ) ، وخبر التبرئة في { لنا } ، ويحتمل أن يكون موضع { ما } رفعاً على أنه بدل من خبر التبرئة ، كما تقول لا إله إلا الله أي لا إله في الوجود إلا الله ، و { أنت } في موضع نصب تأكيد للضمير في { إنك } ، أو في موضع رفع على الابتداء .

و { العليم } خبره ، والجملة خبر «إن » ، أو فاصلة لا موضع لها من الإعراب . و { العليم } معناه : العالم ، ويزيد عليه معنى من المبالغة والتكثير من المعلومات في حق الله عز وجل .

و { الحكيم } معناه الحاكم ، وبينهما مزية المبالغة ، وقيل : معناه المحكم كما قال عمرو بن معديكرب : [ الوافر ] .

أمن ريحانة الداعي السميع . . . أي المسمع ، ويجيء { الحكيم } على هذا من صفات الفعل .

وقال قوم : { الحكيم } المانع من الفساد ، ومنه حكمة الفرس ما نعته( {[449]} ) ، ومنه قول جرير : [ الكامل ] .

أبني حنيفةَ أحكمُوا سفهاءكُمْ . . . إني أخافُ عليكمُ أن أغضبا


[446]:- يعني أن الحكمة في ذلك هو امتحانهم واختبارهم – بأن يسألوا ذلك السؤال- ويجابوا بما أجيبوا به، من قوله تعالى: [إني أعلم ما لا تعلمون] ويؤدبوا بما أدبهم الله تعالى به- من تعليم آدم وتكريمه، وقوله لهم [أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين] وهذا كله نتيجة الدعوى والتزكية للنفس والله أعلم.
[447]:- لا يحفظ دخول حرف النداء عليه، ولو كان منادى لجاز دخول حرف النداء عليه ونقل لنا. قاله أبو (ح) في تفسيره "البحر المحيط"1/147.
[448]:- فيه أن [ما] موصولة، وأن الصلة علمتنا، والصلة لا تعمل في الموصول. إلا أن نجعل [إلا] من باب الاستثناء المنقطع، و[ما] شرطية، جوابها محذوف، والتقدير. لكن أي شيء علمتنا في المستقبل علمناه- وهذا فيه تكلف. قال أبو (ح) في "البحر المحيط" 1/148.
[449]:- على وزن قصبة- وفي اللسان: حكمة الفرس: ما أحاط بحنكي الدابة- وسميت حكمة الدابة بذلك لأنها تذللها لراكبها، حتى تمنعها الجماح ونحوه، ومنه اشتقاق الحكمة لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأرذال. والحكمة ناشئة عن العلم، ومن آثاره، ولذلك تذكر بعد العلم في أكثر ما جاء في القرآن كقوله: [إنك أنت العليم الحكيم].