تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَٰنِۚ وَكَانَ يَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ عَسِيرٗا} (26)

وقوله : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ } أي : يوم القيامة { الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } لا يبقى لأحد من المخلوقين ملك ولا صورة ملك ، كما كانوا في الدنيا ، بل قد تساوت الملوك ورعاياهم والأحرار والعبيد والأشراف وغيرهم ، ومما يرتاح له القلب ، وتطمئن به النفس وينشرح له الصدر أن أضاف الملك في يوم القيامة لاسمه . " الرحمن " الذي وسعت رحمته كل شيء وعمت كل حي وملأت الكائنات وعمرت بها الدنيا والآخرة ، وتم بها كل ناقص وزال بها كل نقص ، وغلبت الأسماء الدالة عليه الأسماء الدالة على الغضب وسبقت رحمته غضبه وغلبته ، فلها السبق والغلبة ، وخلق هذا الآدمي الضعيف وشرفه وكرمه ليتم عليه نعمته ، وليتغمده برحمته ، وقد حضروا في موقف الذل والخضوع والاستكانة بين يديه ينتظرون ما يحكم فيهم وما يجري عليهم وهو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم فما ظنك بما يعاملهم به ، ولا يهلك على الله إلا هالك ولا يخرج من رحمته إلا من غلبت عليه الشقاوة وحقت عليه كلمة العذاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَٰنِۚ وَكَانَ يَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ عَسِيرٗا} (26)

وقوله تعالى : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } ، كما قال تعالى : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] وفي الصحيح : " إن الله يطوي السموات بيمينه ، ويأخذ الأرضين بيده الأخرى ، ثم يقول : أنا الملك ، أنا الديان ، أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون " ؟{[21500]} وقوله : { وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } أي : شديدا صعبا ؛ لأنه يوم عدل وقضاء فصل ، كما قال تعالى : { [ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ] } {[21501]} " ، { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } [ المدثر : 8 - 10 ] ، فهذا حال الكافرين في هذا اليوم . وأما المؤمنون فكما قال تعالى : { لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [ الأنبياء : 103 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن{[21502]} بن موسى ، حدثنا ابن لَهيعة ، حدثنا دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : قيل : يا رسول الله : { يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } ما{[21503]} أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون

أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " {[21504]} .


[21500]:- صحيح مسلم برقم (2788) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، وليس فيه : "أنا الديان".
[21501]:- زيادة من ف ، أ.
[21502]:- في ف ، أ : "حسين".
[21503]:- في ف ، أ : "وما".
[21504]:- المسند (3/75) وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم ضعيف.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَٰنِۚ وَكَانَ يَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ عَسِيرٗا} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَشَقّقُ السّمَآءُ بِالْغَمَامِ وَنُزّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقّ لِلرّحْمََنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً } .

اختلف القرّاء في قراءة قوله تَشَقّقُ فقرأته عامّة قرّاء الحجاز : «وَيَوْمَ تَشّقّقُ » بتشديد الشين بمعنى : تَتَشقق ، فأدغموا إحدى التاءين في الشين فشدّدوها ، كما قال : لا يسّمّعُونَ إلى المَلإِ الأعْلَى .

وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة : وَيَوْمَ تَشَقّقُ بتخفيف الشين والاجتزاء بإحدى التاءين من الأخرى .

والقول في ذلك عندي : أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وتأويل الكلام : ويوم تشقق السماء عن الغمام . وقيل : إن ذلك غمام أبيض مثل الغمام الذي ظلل على بني إسرائيل ، وجعلت الباء ، في قوله : بالغَمامِ مكان «عن » كما تقول : رميت عن القوس وبالقوس ، وعلى القوس ، بمعنى واحد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : وَيَوْمَ تشَقّقُ السّماءُ بالغَمامِ قال : هو الذي قال : فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، ولم يكن في تلك قطّ إلا لبني إسرائيل . قال ابن جُرَيج : الغمام الذي يأتي الله فيه غمام زعموا في الجنة .

قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن عبد الجليل ، عن أبي حازم ، عن عبد الله بن عمرو قال : يهبط حين يهبط ، وبينه وبين خلقه سبعون حجابا ، منها النور والظلمة والماء ، فيصوّت الماء صوتا تنخلع له القلوب .

قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عكرمة في قوله : يَأْتِيَهُمُ اللّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ وَالمَلائِكَةُ يقول : والملائكة حوله .

قال : ثني حجاج ، عن مبارك بن فضالة ، عن عليّ بن زيد بن جُدعان ، عن يوسف بن مهران ، أنه سمع ابن عباس يقول : إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجنّ والإنس ، وهو يوم التلاق ، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض ، فيقول أهل الأرض : جاء ربنا ، فيقولون : لم يجىء وهو آت ، ثم تَتَشقق السماء الثانية ، ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة ، فينزل منها من الملائكة أكثر من جميع من نزل من السموات ومن الجنّ والإنس . قال : فتنزل الملائكة الكَرُوبيّون ، ثم يأتي ربنا تبارك وتعالى في حملة العرش الثمانية بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة ، وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة ، قال : وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه ، وكلّ ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول : سبحان الملك القدوس ، وعلى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه القباء ، والعرش فوق ذلك ، ثم وقف .

قال : ثنا الحسن ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن هارون بن وثاب ، عن شهر بن حوشب ، قال : حملة العرش ثمانية ، فأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك ، لك الحمد على حلمك بعد علمك . وأربعة يقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك ، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك .

قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم ، فوقهم شخصت إليه أبصارهم ، ورجفت كُلاهم في أجوافهم . قال : وطارت قلوبهم من مقرّها في صدورهم إلى حناجرهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَيَوْمَ تَشّقّقُ السّماءُ بالغَمامِ ونُزّلَ المَلائِكَةُ تَنْزِيلاً يعني يوم القيامة حين تشقق السماء بالغمام ، وتنزل الملائكة تنزيلاً .

وقوله : { وَنُزّلَ المَلائكَةُ تنزِيلاً }يقول : { ونزّل الملائكة إلى الأرض تنزيلاً المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ للرّحْمَنِ } يقول : الملك الحقّ يومئذ خالص للرحمن دون كلّ من سواه ، وبطلت الممالك يومئذ سوى ملكه . وقد كان في الدنيا ملوك ، فبطل الملك يومئذ سوى ملك الجبار { وكانَ يَوْما عَلى الكافِرِينَ عَسِيرا } يقول : وكان يومُ تشقّق السماء بالغمام يوما على أهل الكفر بالله عسيرا ، يعني صعبا شديدا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَٰنِۚ وَكَانَ يَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ عَسِيرٗا} (26)

قوله : { الملك يومئذٍ } هو صدر الجملة المعطوفة فيتعلق به { يَومَ تشقق السماء بالغمام } ، وإنما قدم عليه للوجه المذكور في تقديم قوله : { يَوْم يَرَوْن الملائكة } [ الفرقان : 22 ] وكذلك القول في تكرير { يومئذ } .

و { الحق } : الخالص ، كقولك : هذا ذهب حقّاً . وهو المُلك الظاهر أنه لا يماثله مُلك ، لأن حالة الملك في الدنيا متفاوتة . والمُلك الكامل إنما هو لله ، ولكن العقول قد لا تلتفت إلى ما في الملوك من نقص وعجز وتَبهرهم بهرجة تصرفاتهم وعطاياهم فينسون الحقائق ، فأما في ذلك اليوم فالحقائق منكشفة وليس ثمة من يدّعي شيئاً من التصرف ، وفي الحديث : « ثم يقول الله : أنا المَلِكُ أيْن ملوكُ الأرض »

ووصف اليوم بعسير باعتبار ما فيه من أمور عسيرة على المشركين .

وتقديم { على الكافرين } للحصر . وهو قصر إضافي ، أي دون المؤمنين .